الشوبكي: خارطة طريق فتح تتطلب تنازلات كبيرة من حماس وتواجه تحديات
الطماوي: شروط المبادرة تهدف لضمان تفكيك سلطة "حماس" كمدخل للوحدة
العابد: تحقيق المصالحة الفلسطينية يتطلب حكومة واحدة ووحدة جغرافية وسياسية
الأنباط - رزان السيد
"المقاومة الشعبية السلمية للاحتلال" هي أحد البنود الواردة في ورقة حركة فتح للمصالحة مع حركة حماس، في المقابل ينص ميثاق تأسيس حركة حماس على أن الجهاد فرض عين على كل مسلم لمواجهة اغتصاب فلسطين وهو ما تم التراجع عنه لاحقا من قبل الحركة، كل ذلك يضع فكرة المصالحة على المحك لأن الأمر يخص عقيدة الحركة وأهم أسباب نشأتها.
ورغم أن محللين سياسيين أكدوا أن مبادرة فتح تعتبر خطوة متقدمة في مسار المصالحة الفلسطينية وتحمل ملامح إيجابية، إلا أنهم أشاروا أن بعض الشروط تعد سياسية وتنظيمية صارمة، وتهدف إلى ضمان تفكيك سلطة "حماس" في غزة.
وبينوا أن بعض مضامين هذه المبادرة تشكل تحديًا كبيرًا أمام حماس جراء الحاجة إلى تنازلات كبيرة منها خصوصًا في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
يشار هنا إلى أن السلطة الفلسطينية اتبعت سياسة المقاومة السلمية في الضفة الغربية لكن الاحتلال الصهيوني لم يتوقف عن قتل الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم وبناء المستوطنات وتنكر لكل الاتفاقيات السابقة والأعراف الدولية في مناطق السلطة.
وفي الوقت ذاته، يرى المحللون أن منظمة التحرير لم تعد قابلة للاستصلاح، وتحتاج إعادة هيكلة لتشمل جميع الأطياف الفلسطينية.
وكانت حركة فتح قدمت للجانب المصري ورقة للحوار مع حماس تتضمن رؤية سياسية وتنظيمية تهدف إلى تحقيق المصالحة الفلسطينية، الورقة تسعى إلى إعادة توحيد الصف الفلسطيني من خلال عدة خطوات محددة، تبدأ بمطالبة حماس بقبول قرارات الأمم المتحدة كمرجعية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بالإضافة إلى تبني المقاومة الشعبية كخيار استراتيجي.
كما تشدد فتح على ضرورة التزام حماس بتعهدات منظمة التحرير الفلسطينية على الصعد الوطنية والإقليمية والدولية، وتعزيز مبدأ وحدة النظام السياسي الفلسطيني، الذي يشمل توحيد الحكم والأمن والسلاح والقانون.
وتشمل أيضًا خطوات عملية من حماس، مثل الاعتراف بوحدة الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، ووحدة النظام السياسي، فضلًا عن توحيد المؤسسات الإدارية والخدمية والأجهزة الأمنية في جميع المناطق الفلسطينية، كما تطلب الورقة من حماس إنهاء سيطرتها المدنية والأمنية على قطاع غزة، والتنسيق مع السلطة الفلسطينية ومصر لإعادة دمج القطاع والضفة الغربية كوحدة واحدة، وفي هذه المرحلة، تشترط عدم مشاركة حماس في أي حكومة يتم تشكيلها.
كما تدعو إلى إطلاق حوار وطني شامل في مرحلة لاحقة بمشاركة جميع الفصائل الوطنية، يركز على الالتزام بالوحدة السياسية وتطبيق قرارات الأمم المتحدة، مع تبني مفهوم موحد للمقاومة، وتركز على إقامة دولة حديثة تقوم على التعددية السياسية وحرية التعبير، وسيادة القانون، مع بناء شراكة وطنية من خلال انتخابات ديمقراطية.
تحديات وتأثيرات
وفي هذا السياق، يرى المحلل الأمني والسياسي، محسن الشوبكي، أن وفد حركة فتح، برئاسة جبريل الرجوب، قدم خارطة طريق سياسية إلى مصر بتاريخ 4-5 تتألف من مرحلتين رئيسيتين. وأشار إلى أن الأولى تتضمن العملية السياسية، من حيث قبول حماس بقرارات الأمم المتحدة كمرجعية لحل الصراع، والتزام حماس بتعهدات منظمة التحرير الدولية والإقليمية، وتبني خيار المقاومة الشعبية الشاملة كخيار استراتيجي، مع التأكيد على سلميتها، بالإضافة إلى إعلان حماس انسحابها الكامل من السيطرة على قطاع غزة.
أما المرحلة الثانية، فقد بيّن الشوبكي بأنها تتضمن الحوار الوطني الشامل، عبر إقامة حوار وطني بمشاركة جميع الفصائل، إذ جاءت هذه المبادرة في أعقاب الاحتجاجات الشعبية التي شهدها قطاع غزة ضد حكم حماس، و تزامنت مع تصريحات من بعض قادة فتح تؤكد أن حماس كفكرة قد انتهت وفشلت، وأن خروجها من المشهد يُعد ضرورة قومية لبقاء الشعب الفلسطيني، ومع ذلك، فإن قبول حماس بمحاور هذه الخارطة قد يُعتبر "انتحارًا سياسيًا وشعبيًا" بالنسبة لها.
وتابع، بأن التنازلات المطلوبة من حماس تشكل تحديًا كبيرًا، حيث تتعارض مع مبادئها الأساسية الواردة في ميثاقها لعام 1988، والذي ينص على، المادة (11): فلسطين أرض وقف إسلامي لا يجوز التفريط بها، و المادة (13): رفض الحلول السلمية والمؤتمرات الدولية لحل القضية الفلسطينية، إضافة الى المادة (15): الجهاد فرض عين على كل مسلم لمواجهة اغتصاب فلسطين .
كما أكد أنه سبق وتوصلت فتح وحماس، برعاية مصرية، إلى اتفاق لتشكيل لجنة للإسناد المجتمعي لإدارة شؤون غزة، على أن تكون مرجعيتها الحكومة الفلسطينية، وتتألف من شخصيات تكنوقراط، موضحًا أنه رغم أهمية هذه الخارطة، إلا أن بحثها يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين خاصة وأنها تأتي في ضوء استمرار الإبادة الجماعية الصهيونية ضد غزة.
التحولات المحتملة بالعلاقة مع السلطة
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي المصري، الدكتور محمد الطماوي، أن الورقة التي قدمتها فتح تعتبر خطوة متقدمة في مسار المصالحة الفلسطينية، وتعبيرًا عن حجم المخاطر التي تواجه القضية، خصوصًا في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتدهور الأوضاع الإنسانية، وتراجع حضور القضية الفلسطينية على أجندة بعض القوى الدولية، مشيرًا بأنه قد تأتي الورقة استجابة لدعوة مصرية وأردنية لإحياء مسار المصالحة، انطلاقًا من إدراك القاهرة وعمان أيضًا العميق بأن استمرار الانقسام بين الضفة والقطاع يُشكل تهديدًا مباشرًا ليس فقط على مستقبل القضية الفلسطينية، وإنما على استقرار الإقليم بأكمله.
وبين أن الورقة تحمل في ظاهرها ملامح رؤية شاملة لإعادة ترتيب النظام السياسي الفلسطيني، بالتأكيد على وحدة الأرض والشعب والنظام، تحت مظلة منظمة التحرير، التي تطالب "فتح" من "حماس" الاعتراف الكامل بها وبالتزاماتها الوطنية والدولية، وتشير الورقة إلى ضرورة تبني المقاومة الشعبية كخيار استراتيجي، وهو ما يتماشى مع الرؤية المصرية الداعية إلى ضبط إيقاع النضال الفلسطيني بما يضمن الحفاظ على الدعم الدولي، وعدم منح الاحتلال ذريعة لتصعيد العنف أو توسيع عملياته العسكرية، خصوصًا في غزة.
لكن في المقابل، فإن القراءة الدقيقة لبنود الورقة تكشف عن شروط سياسية وتنظيمية صارمة، الغرض منها هو ضمان تفكيك سلطة "حماس" في غزة كمدخل لتحقيق الوحدة، قبل الحديث عن الشراكة السياسية، ويظهر ذلك جليًا في اشتراط إعلان الحركة إنهاء سيطرتها المدنية والأمنية على القطاع، وعدم مشاركتها في الحكومة المزمع تشكيلها في المرحلة الانتقالية، وهو شرط قد يُنظر إليه على أنه محاولة لتهميش "حماس"، أو على الأقل تقليص نفوذها قبل أي عملية سياسية لاحقة، وهنا يبرز التناقض بين الحديث عن "الوحدة والشراكة"، وفرض شروط مسبقة تعكس نوعًا من الإقصاء المؤقت.
وقال الطماوي أنه في حال وافقت حماس على مضمون الورقة، وأعلنت عن إنهاء سيطرتها على غزة، فإن ذلك سيكون بمثابة تحوّل استراتيجي في مسار العلاقة بين الحركتين، وسيُعيد القطاع فعليًا إلى سلطة الحكومة الفلسطينية في رام الله، غير أن هذا التحول لن يكون سهلًا، فالمسألة لا تتعلق فقط بإعلان سياسي، بل تتطلب ترتيبات ميدانية معقدة، تشمل تسليم المعابر، ودمج الأجهزة الأمنية، وتوحيد المؤسسات، وإعادة هيكلة الإدارة المدنية، مشيرًا إلى أن أي خلل في هذه المرحلة قد يؤدي إلى فراغ أمني، أو تصاعد نفوذ أطراف أخرى، مثل "الجهاد الإسلامي" أو بعض التيارات الخارجة عن الانضباط، ما قد يُهدد استقرار القطاع، لذلك، فإن نجاح هذه الخطوة يتطلب دورًا مصريًا وأردنيًا فاعلًا في الإشراف، والتنسيق، وتوفير الضمانات لكلا الطرفين.
أما من زاوية العلاقات بين فتح و حماس، أوضح بأن هذه المبادرة، على الرغم من حساسيتها، قد تشكل مدخلًا لتحوّل حقيقي إذا أديرت بواقعية سياسية، تُراعي توازن القوى، وتمنح حماس حقها المشروع في أن تكون شريكًا في القرار، لا مجرد تابع، وفي هذا الإطار، فإن إرجاء مشاركتها في الحكومة قد يكون مقبولًا في سياق ترتيبات انتقالية متفق عليها زمنيًا، شريطة أن تتبعها مرحلة حوار وطني فعلي، تقود إلى شراكة حقيقية تُجسدها صناديق الاقتراع، وليس فقط تفاهمات آنية.
النوايا المزدوجة
وبيّن الطماوي أنه فيما يخص النوايا الكامنة وراء المبادرة، فإنها تبدو مزدوجة، فمن ناحية، هناك إدراك داخل فتح بأن استمرار الانقسام بات خطرًا وجوديًا، وأن المجتمع الدولي، والعربي تحديدًا، يضغط باتجاه تشكيل قيادة فلسطينية موحدة قادرة على التعاطي مع أي تسوية سياسية قادمة، خصوصًا في مرحلة ما بعد الحرب، ومن ناحية أخرى، فإن فتح تسعى إلى استعادة السيطرة على غزة وفق شروطها، وربما دون تمكين فعلي لـ حماس، وهو ما يُظهر أن المبادرة، في بعض بنودها، ليست فقط موجهة لتحقيق المصالحة، بل أيضًا لإعادة ترتيب التوازنات السياسية الداخلية بما يحد من نفوذ حماس في النظام السياسي القادم.
مع ذلك، فإن السياسة المصرية، التي تتعامل ببراجماتية مع كل الأطراف، تدرك جيدًا أن أي تسوية لا يمكن أن تنجح بدون إشراك حماس في بنية النظام السياسي الفلسطيني، باعتبارها طرفًا فاعلًا ميدانيًا وشعبيًا، ولهذا فإن القاهرة، بحكم علاقاتها مع الطرفين، يمكن أن تعيد هندسة المبادرة بما يجعلها مقبولة، عبر تخفيف بعض البنود، أو تقديم ضمانات مرحلية تتيح لحماس المشاركة لاحقًا وفق قواعد واضحة، ما يضمن عدم إقصاء أي طرف، ويُعيد ترتيب البيت الفلسطيني وفق أولويات وطنية جامعة.
واعتبر الطماوي أن الورقة تمثل تطورًا سياسيًا مهمًا، وقد تفتح الباب أمام مصالحة حقيقية طال انتظارها، لكنها بحاجة إلى إرادة سياسية جادة من الطرفين، وضمانات إقليمية، من عواصم عربية وازنة، لتكون هذه المبادرة مدخلًا فعليًا لإنهاء الانقسام، وإعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني على أسس الشراكة والوحدة، بما يعزز من مكانة القضية الفلسطينية، ويُمكّن الشعب الفلسطيني من الدفاع عن حقوقه في ظل نظام موحد، يمثل جميع أطيافه، ويستعيد ثقته بنفسه وبمؤسساته.
التحديات السياسية والشرعية الدولية
بدوره، أوضح المحلل السياسي والباحث في العلاقات الدولية، نعمان العابد، أن الورقة التي تم طرحها تحتوي على العديد من النقاط الإيجابية التي تصب في مصلحة القضية الفلسطينية، ومن أبرزها مسألة وحدة النظام السياسي الفلسطيني ووحدة الجغرافيا الفلسطينية، إذ تعتبر هذه القضية ضرورية من أجل البحث الجاد في موضوع إقامة الدولة الفلسطينية، وقد كانت هذه المطالب جزءًا من الشرعية الدولية، حيث اعترفت الأمم المتحدة بفلسطين كدولة ضمن حدود عام 1967، بما يشمل القدس الشرقية وأراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما أكدت عليه أيضًا محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري، لذلك، يعد الحفاظ على وحدة الجغرافيا الفلسطينية والنظام السياسي الفلسطيني أمرًا أساسيًا لإنشاء الدولة الفلسطينية، وينبغي أن يكون هناك اتفاق فلسطيني على هذه النقاط دون أي خلاف.
من ناحية أخرى، أشار العابد إلى أن التزامات حماس تزداد أهمية مع التغيرات في النظام الدولي، خاصة بعد الأحداث المؤلمة التي شهدتها المنطقة، وتابع قائلًا: "إذا حدثت وحدة للنظام السياسي الفلسطيني، فهذا لا يعني بقاء حكومتين، بل يجب أن يكون هناك حكومة واحدة تمثل جميع الأراضي الفلسطينية، معترف بها دوليًا وتستند إلى الشرعية الدولية"، ولكن حماس، بحسب الوضع الحالي، لن تتمكن من الحصول على هذا الدعم الدولي بعد الأحداث الأخيرة، وبالتالي فإن منظمة التحرير، والسلطة الوطنية المنبثقة عنها، هي التي تستطيع الوفاء بهذا الاستحقاق.
وتابع، أن الخلاف الرئيسي في الوقت الحالي يتعلق بتنازل حماس عن حكم غزة لفترة معينة، وهي مسألة يمكن التوافق عليها في إطار حكومة فلسطينية تقوم على التوافق الوطني، وليس حكومة "التكنوقراط" الحالية، وأضاف أنه يمكن الاتفاق على فترة انتقالية لمدة سنتين، يتم خلالها وضع قانون للأحزاب الفلسطينية وتنظيم وضع حركة حماس ضمن هذا الإطار.
كما أشار إلى أنه يمكن التوصل إلى حل بشأن موضوع السلاح، حيث يمكن لحماس تسليمه إلى مصر خلال فترة الانتقال إذا تم التوافق إقليميًا ودوليًا، وخاصة من قبل الإدارة الأمريكية.
وفيما يتعلق بالاعتراف الدولي، أكد العابد أنه يتعين على منظمة التحرير باعتبارها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، الالتزام بالتعهدات التي قامت بها في إطار الاعتراف بحل الدولتين وبتحديد حدود دولة فلسطين، وهذا الاعتراف جاء من قبل الأمم المتحدة، التي اعترفت أيضًا بإسرائيل في إطار هذه التسوية، مضيفًا أن الاعتراف بكيان الاحتلال الإسرائيلي هو أمر خاص بمنظمة التحرير، وليس الفصائل الأخرى، مثل حركة فتح، التي لم تعترف مباشرة بدولة الاحتلال.
كما نوه إلى ضرورة إعادة هيكلة المنظمة لتشمل جميع الفصائل، خاصة تلك التي لم تنضم إليها بعد، لافتًا إلى أن التركيبة الحالية لمنظمة التحرير لم تعد مقبولة من الشعب الفلسطيني أو من حماس والفصائل الأخرى، وبالتالي فإن إصلاحها ضروري لضمان تمثيل كافة الفصائل بشكل عادل.
وفيما يتعلق بمشاركة حركتي فتح وحماس في الحكومة، بيّن العابد أن الهدف ليس المشاركة في الحكومة بحد ذاتها، بل تشكيل حكومة توافق وطني تضم ممثلين عن جميع الفصائل، وأضاف أن الحكومة الحالية، التي شكلت من قبل السلطة الوطنية أو فتح، تفتقر إلى الشرعية المحلية ولا تحظى برضا الشعب الفلسطيني، وبالتالي من الأفضل تشكيل حكومة من مستقلين ووطنيين يتم اقتراحهم من جميع الفصائل.
وفي الختام، شدد العابد على أن لا أحد يستطيع تهميش أي فصيل فلسطيني، فحتى في الحكومات التي تشكلها الأحزاب الأغلبية في دول أخرى، لا يتم إقصاء الأحزاب المعارضة، وأضاف أن حركة حماس، رغم تحدياتها في الحصول على دعم داخلي أو دولي، يمكنها أن تحظى بمقبولية أكبر إذا تنحت عن الحكم لصالح المصلحة الوطنية الفلسطينية، دون أن تتنصل من دورها السياسي والاجتماعي في الساحة الفلسطينية.