مؤتمر المناخ 2025 في البرازيل.. هل يكون نقطة تحول أم محطة جديدة للوعود غير المُنجزة؟

نبض البلد -

زينة حمدان: المؤتمر.. من الالتزامات إلى الاستثمارات لمواجهة الملوثات الفائقة

زاهر هاشم: المؤتمر يمهد الطريق لـ COP30.. ونجاحه يقاس بالزخم الذي سيمنحه للملف المناخي

الأنباط – ميناس بني ياسين

في ظل تزايد حدة أزمة المناخ وعجز القمم السابقة عن فرض التزامات حقيقية على الدول الكبرى، يترقب العالم مؤتمر المناخ والهواء النظيف 2025 في البرازيل، وسط تساؤلات جوهرية؛ هل سيكون هذا المؤتمر نقطة تحول حقيقية، أم مجرد محطة جديدة في سلسلة الوعود غير المُنجزة؟

وبينما تتفاقم تداعيات التغير المناخي، تدفع الدول النامية وعلى رأسها الأردن الثمن الأكبر، إذ يهدد شُح المياه وارتفاع درجات الحرارة أمنها البيئي واقتصاداتها الهشة ومع استمرار الدول الصناعية الكبرى في تجاهل مسؤولياتها، تتزايد الضغوط لإلزامها بخفض الانبعاثات وتمويل جهود التكيف والمواجهة.

فما الجديد الذي يحمله هذا المؤتمر؟ وما مخرجاته المتوقعة في ظل المشهد السياسي والاقتصادي العالمي المتوتر؟ وهل ستلتزم الدول الكبرى هذه المرة، أم أن الأزمة ستظل تراوح مكانها، فيما تستمر الدول العربية في دفع الفاتورة البيئية والاقتصادية؟

اختلاف المؤتمر عن المؤتمرات السابقة من حيث الأهداف والمخرجات ..

في السياق أكدت خبيرة إعلام البيئة والمناخ زينة حمدان أن مؤتمر المناخ والهواء النظيف 2025 حدثًا محوريًا يتميز بنهج عملي وتركيز على تحويل الالتزامات إلى إجراءات استثمارية ملموسة، لما فيه من فروق، حيث يحمل المؤتمر شعار "الاستعداد لمؤتمر الأطراف الثلاثين لـ معالجة الملوثات الهائلة لتجنب التجاوز الكارثي لـ 30 درجة مئوية"، مما يؤكد على الحاجة لاتخاذ إجراءات سريعة في مواجهة الملوثات الفائقة.

وتابعت، أنه يركز المؤتمر على التزامات المساهمات المحددة وطنيًا 3.0، حيث تُترجم التعهدات إلى خطط استثمارية قابلة للتطبيق، مع تنظيم جلسات حوار تجمع بين الخبراء وصناع القرار لتبادل أفضل الممارسات، مضيفةً أنه برنامج متكامل يشمل التدريب والزيارات الميدانية، ويبدأ المؤتمر بتدريب المستشارين الوطنيين وينتهي بزيارات ميدانية لمشاريع جودة الهواء والزراعة المستدامة، ما يعزز التطبيق العملي للتوصيات.

كما يُمثل المؤتمر منصة استراتيجية لتحضير الأردن للمشاركة الفاعلة في COP30، مما يربط الجهود الوطنية بالمبادرات الدولية.

التحديات البيئية التي تواجه الأردن والمنطقة العربية فيما يتعلق بالتغير المناخي

وأشارت حمدان أن الأردن والمنطقة العربية يواجهان عدة تحديات بيئية تؤثر على جودة الهواء والصحة العامة، منها التصحر وتراجع الموارد المائية، حيث يُعتبر التصحر وتناقص الموارد المائية تحديًا رئيسيًا يؤثر على الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي، ارتفاع مستويات تلوث الهواء حيث يُعد تلوث الهواء أحد المخاطر الصحية البارزة التي تتطلب جهودًا مشتركة من الحكومة والمواطنين للحد من آثاره.

وأضافت، تأثيرات التغير المناخي التي تؤدي التغيرات المناخية إلى موجات حرارة شديدة، نقص في الأمطار، وتغير في أنماط الطقس، ما يضاعف من الضغوط على قطاعات المياه والزراعة والصحة، كما يعاني الأردن من الضغوط على الأنظمة البيئية أي أنه ورغم التحسن الملحوظ في بعض المؤشرات (حيث يحتل الأردن مراتب متقدمة في الأداء المناخي إقليميًا)، إلا أنه لا يزال بحاجة لتعزيز كفاءة استخدام الطاقة وخفض الانبعاثات.

إمكانية الإستفادة من مخرجات المؤتمر في تحسين سياساتها البيئية

وأوضحت حمدان أنه يمكن لـ الأردن والدول العربية الاستفادة من مخرجات المؤتمر عبر، ترجمة التعهدات إلى إجراءات استثمارية من خلال اعتماد التزامات المساهمات المحددة وطنيًا وتطبيقها ضمن السياسات الوطنية، حيث يمكن للدول تحويل التعهدات إلى مشاريع ملموسة لتحقيق اقتصاد منخفض الكربون، إضافة إلى تعزيز الحوار بين العلوم والسياسات وإتاحة جلسات الحوار المتخصصة لـ تبادل الخبرات والتجارب العلمية مع صناع القرار، مما يسهم في صياغة سياسات بيئية مستندة إلى أدلة علمية.

وتابعت، تنسيق الجهود الإقليمية والدولية يعزز المؤتمر من تبادل الخبرات والتعاون المشترك بين الدول في مجالات الطاقة النظيفة وإدارة الموارد، مما يؤدي إلى تحسين الاستراتيجيات البيئية، وتشجيع آليات التمويل المستدام، حيث ستساهم مبادرات مثل السندات الخضراء وآليات التمويل البيئي في جذب الاستثمارات اللازمة لتنفيذ المشاريع البيئية.

مساهمة المؤتمر في دعم المشاريع البيئية في الدول النامية مثل الأردن

وأكدت في حديثها أنه يُتوقع أن يُفتح المؤتمر آفاقًا جديدة للتمويل البيئي، خاصةً في ظل التركيز على آليات التمويل المبتكرة، لا سيما وأن المؤتمر يُعد منصة لعرض وتفعيل السندات الخضراء وغيرها من أدوات التمويل المستدام، ما يجذب استثمارات من القطاعين العام والخاص، إضافة إلى تحويل الالتزامات إلى مشاريع استثمارية بتطبيق التزامات المساهمات المحددة وطنيًا 3.0، يمكن للدول النامية مثل الأردن الحصول على دعم مالي لتنفيذ مشاريع تخفف من الانبعاثات وتعزز كفاءة الطاقة.

كما أشارت إلى الدعم الدولي والشراكات الاستراتيجية حيث تُظهر التجارب الأردنية التزامًا قويًا بقيادة الحكومة وبالتنسيق مع الشركاء الدوليين (مثل البنك الدولي والجهات المانحة الأوروبية) ما يعزز فرص الحصول على تمويل إضافي لمشاريع التحول الأخضر.

تأثير التوصيات الصادرة عن المؤتمر على استراتيجيات الأردن في تقليل الانبعاثات

وأجابت حمدان حول ذلك بأن توصيات المؤتمر ستؤثر بشكل إيجابي على استراتيجيات الأردن من خلال تحديث السياسات الوطنية والتشريعات حيث تُساهم التوصيات في تعزيز الأطر التشريعية التي يحرص عليها جلالة الملك والملكة لدعم التحول نحو أردن أخضر، حيث تعمل وزارة البيئة على إعداد وتنفيذ سياسات واستراتيجيات جديدة تتماشى مع رؤية التحديث الاقتصادي، وتعزيز تبني التقنيات النظيفة من خلال تشجيع استخدام تقنيات احتجاز وتخزين الكربون، والطاقة المتجددة، والعمل على تطوير نظم متكاملة لإدارة النفايات، يمكن تقليل الانبعاثات وتحسين جودة الهواء، وتحسين التنسيق بين القطاعات حيث يُسهم نهج "الجو الواحد" في تعزيز التكامل بين قطاعات الصحة، الزراعة، الطاقة، والمياه، مما يؤدي إلى حلول شاملة لمواجهة التغير المناخي.

وأكدت على ضرورة توجيه الاستثمارات نحو المشاريع البيئية مع تفعيل آليات التمويل مثل السندات الخضراء ودعم الشراكات الدولية، ستُوجّه الاستثمارات نحو مشاريع استراتيجية تدعم النمو الأخضر، إضافة إلى دعم مشاركة المجتمع والشباب تُعد مشاركة الشباب والمجتمع المدني ركيزة أساسية في ترجمة التوصيات إلى إجراءات فعلية، مما يضمن تطبيق أفضل الممارسات على أرض الواقع.

التأكيد على الجهود الملكية والتشريعية نحو أردن أخضر

ونوهت حمدان إلى أنه من الضروري الإشارة إلى أن هذه الاستراتيجيات والمبادرات تأتي في إطار اهتمام ملكي مستمر، يقوده جلالة الملك عبدالله الثاني، حيث تم توجيه جهود واسعة لتشريع قوانين بيئية متقدمة تهدف إلى التحول نحو أردن أخضر وقد أكد وزير البيئة الدكتور معاوية الردايدة في عدة تصريحات على، تنفيذ الخطة الوطنية التنفيذية للنمو الأخضر (2021-2052) التي تغطي قطاعات الطاقة، المياه، النفايات، الزراعة، السياحة، والنقل، وتعمل على تحسين كفاءة الطاقة وتعزيز القدرة على التكيف، وتعزيز التشريعات البيئية عبر تحديث الأطر القانونية والتشريعية وإعداد الاستراتيجيات والسياسات البيئية التي تضمن نشر الثقافة البيئية وتحقيق تنمية مستدامة.

كما وأضافت دعم المبادرات الدولية والمحلية مثل مبادرة "مترابطة المناخ واللاجئين" التي تهدف إلى دعم الدول المستضيفة للاجئين في مواجهة تبعات التغير المناخي، والعمل على تأمين منح تمويلية مثل تلك المقدمة من الاتحاد الأوروبي ومنظمات دولية كالبنك الدولي، والشراكات الاستراتيجية مع القطاع الخاص حيث تُعزز الحكومة مشاركته في مشاريع مثل تحسين نوعية الحياة والظروف البيئية في عمان، إضافة إلى دعم مشاريع النقل الكهربائي وتدوير النفايات.

وتجسد هذه الجهود التزام الأردن بقيادة جلالته الملكية بتحقيق تحول شامل نحو بيئة محمية واقتصاد أخضر يتماشى مع أولويات التحديث الاقتصادي، مما يجعل الأردن نموذجًا يُحتذى به في مواجهة تحديات التغير المناخي وتحقيق التنمية المستدامة.

ما المخرجات المتوقعة من المؤتمر، وكيف يمكن قياس نجاحه..

من جانبه أكد خبير المناخ زاهر هاشم أن المؤتمر هذا العام يركز على معالجة الملوثات الفائقة لتجنب التجاوز الكارثي لحدود 1.5 درجة مئوية، التي أقرها اتفاق باريس، وتبرز هنا الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لتحقيق هذا الهدف الذي تتضاءل فرص تحقيقه يومًا بعد يوم مع استمرار الاعتماد على الوقود الأحفوري وغياب آلية واضحة لتنفيذ اتفاق باريس بشكل ملزم، ومقررات المؤتمرات المناخية السابقة عبر ثلاثة عقود.

وتابع، أنه من المتوقع التركيز على التزامات الدول تجاه تمويل العمل المناخي التي أقرتها المؤتمرات السابقة خصوصًا خلال مؤتمري دبي وشرم الشيخ، والسياسات التي يمكن أن تعزز التخفيف من انبعاثات الوقود الأحفوري، ووضع استراتيجية واضحة لاستخدام الطاقة المنزلية ودورها في تعزيز نقاوة الهواء، وتحديات ونجاحات البلدان في العمل على الحد من انبعاثات الميثان من الزراعة والنفايات الصلبة البلدية ومياه الصرف الصحي.

كما وأشار أنه يمهد المؤتمر الطريق إلى مؤتمر الأطراف الثلاثين في البرازيل، من خلال حوارات رفيعة المستوى مع ممثلي الدول وكبار العلماء وقادة المجتمع المدني لصياغة مستقبل أجندة المناخ والهواء النظيف مع التركيز على الانتقال العادل، لذا فإن نجاح هذا المؤتمر يمكن قياسه لاحقًا من الزخم الذي سيمنحه لمؤتمر الأطراف القادم وتحقيق اختراقات في القضايا المصيرية العالقة مثل موضوع التمويل، والاستغناء عن الوقود الأحفوري بدلًا من وضع خطط بديلة للتكيف مع الانبعاثات الحالية.

الالتزامات الجديدة قد تفرض على الدول النامية

وأوضح أنه من المتوقع أن يُركز المؤتمر على تعزيز الجهود العالمية للحد من الملوثات الفائقة، مثل الميثان، بهدف منع تجاوز زيادة درجة الحرارة العالمية عتبة 1.5 درجة مئوية، لكن بالنسبة للدول النامية فمن غير المتوقع فرض التزامات جديدة عليها، حيث أنها تعتبر الحلقة الأضعف في أي اتفاق أو سياسة مناخية عالمية كونها تتأثر بشكل كبير بينما تؤثر بشكل محدود في إطلاق الملوثات وغازات الاحتباس الحراري، وقد ركزت المؤتمرات الأخيرة بما فيها مؤتمر باكو، على زيادة المساعدات المالية للدول النامية إلى 300 مليار دولار سنويًا حتى عام 2035، لدعم جهودها في التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره، لكن العديد من الدول النامية اعتبرت هذا المبلغ غير كافٍ مقارنة باحتياجاتها الفعلية.

واقعية تنفيذ الحلول التي سيتم طرحها خلال المؤتمر

وبين أنه تعتمد جدوى تنفيذ الحلول المقدمة في مؤتمر المناخ والهواء النظيف 2025 في الأمد القريب على عدة عوامل رئيسية أهمها توافر الإرادة السياسية تجاه ما تواجهه البلدان الملوثة الكبرى من مقاومة سياسية بسبب تضارب السياسات المناخية مع المصالح الاقتصادية والصناعية، وتتوقف سرعة تنفيذ الحلول وواقعيتها على مدى صرامة وجدية تنفيذ سياسات مناخية صارمة، لذا من المتوقع أن تشهد دول الاتحاد الأوروبي تغييرات في السياسات والتشريع المناخي أسرع من بلدان أخرى مثل الصين والولايات المتحدة.

وتعد الجاهزية التكنولوجية والتكلفة الكبيرة للانتقال تجاه تقنيات تقليل غاز الميثان والنقل المستدام واحتجاز الكربون تحديًا آخر في هذا المجال بسبب الفوارق التكنولوجية بين البلدان وخصوصًا دول الجنوب.

هل نشهد تغييرات في سياسات الدول الكبرى الملوثة للبيئة بعد المؤتمر

وأكد هاشم أنه ربما من السابق لأوانه تقييم التغييرات المحددة في سياسات البلدان الملوثة الرئيسية الناتجة عنه، لكن تركيز المؤتمر على تعزيز المساهمات المحددة وطنيًا والسياسات القطاعية يشير إلى نية قوية للتأثير على اتجاهات السياسة المستقبلية، ومن المتوقع أن تلعب نتائج هذا المؤتمر دورًا مهمًا في تشكيل المناقشات والالتزامات في مؤتمر الأطراف الثلاثين القادم.

يمكن أن يعمل المؤتمر أيضًا على معالجة تأخر العديد من البلدان في تقديم أهداف مناخية محدثة، وتراجع أولوية العمل المناخي في أجندات حكوماتها.