الطاقة النظيفة.. معركة الاستدامة المستحقة بمواجهة التغير المناخي؟

نبض البلد -

شوشان: يمكن رفع حصة الطاقة المتجددة لـ50% بحلول 2030 إذا توفرت الاستثمارات
المصالحة: الطاقة الشمسية والرياح لتعزيز الأمن الطاقي وتقليل الانبعاثات الكربونية

الأنباط – ميناس بني ياسين / عمر الخطيب


لم يعد التغير المناخي تحديًا مستقبليًا، بل أمسى واقعًا نعيشه جميعًا ويفرض نفسه بقوة في الأردن كما بقية أنحاء العالم، مهددًا الأمن المائي والغذائي.

ورغم أن المملكة لا تسهم إلا بجزء ضئيل من الانبعاثات الكربونية عالميًا، إلا أن اعتمادها الكبير على الوقود الأحفوري يجعلها في قلب الأزمة، حيث تتزايد المخاطر البيئية والصحية الناجمة عن استخدام مصادر الطاقة التقليدية.

وفي مواجهة هذا الواقع يخوض الأردن معركة حاسمة نحو الاستدامة، مستندًا إلى الطاقة المتجددة كحل استراتيجي يحقق أمنه الطاقي، ويخفف من آثار الاحتباس الحراري، ويمهد الطريق لمستقبل أكثر استقرارًا ونظافة.

ورغم التطور الكبير الذي يشهده الأردن في مجال الطاقة المتجددة، إلا أنه ما يزال يواجه تحديات تتطلب العلاج، حيث أشار خبراء إلى ضرورة تعزيز تقنيات تخزين الطاقة لضمان استمرارية التزويد بالكهرباء، إضافة إلى أهمية تطوير الشبكات الذكية لدمج الطاقة المتجددة بكفاءة أكبر، وزيادة الاستثمارات في البحث والتطوير.

في السياق، أكد الخبير المناخي عمر شوشان لـ"الأنباط" أن الأردن يعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري، إذ يتم استيراد أكثر من 90% من احتياجاته من الطاقة، ويؤدي هذا الاعتماد إلى زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة، خاصة ثاني أكسيد الكربون رغم أن مجمل الانبعاثات الغازية من كافة القطاعات الاقتصادية لا تتجاوز 0,06٪؜ من المجموع العالمي للانبعاثات، إلا أن اتفاق باريس للمناخ يؤكد ضرورة خفض الانبعاثات الكربونية بغض الطرف عن نسبتها.

وحول أبرز التحديات البيئية التي يواجهها الأردن نتيجة استخدام مصادر الطاقة التقليدية، بين أن استخدام الديزل منخفض الجودة في الأردن من أبرز التحديات البيئية، حيث يؤدي إلى ارتفاع مستويات الانبعاثات الملوثة، مثل أكاسيد الكبريت والجسيمات الدقيقة، ما يسهم في تلوث الهواء بشكل خطير؛ وينتج عنه زيادة الأمراض التنفسية، وتفاقم تغير المناخ بسبب ارتفاع انبعاثات الكربون الذي يؤثر على جودة الهواء ويزيد من الاحتباس الحراري، وتدهور البيئة الحضرية حيث تتراكم الانبعاثات على المباني والبنية التحتية، ما يسرّع من تآكلها ويؤثر على جودة الحياة في المدن.

تماشي خطط قطاع الطاقة مع الالتزامات الدولية لمكافحة التغير المناخي

وبين شوشان أن الأردن ملتزم بخفض انبعاثاته بنسبة 31% بحلول عام 2030، وفقًا لوثيقة المساهمات المحددة وطنيًا (NDCs) المحدّثة لعام 2021، وتشمل خططه في قطاع الطاقة التوسع في الطاقة المتجددة حيث وصلت نسبة مساهمة الطاقة الشمسية والرياح في توليد الكهرباء إلى 29%، مع الإمكانية لزيادتها إلى 50% بحلول 2030 إذا توفرت الاستثمارات والفرص التمويلية المطلوبة.

وهناك التزام بتحسين كفاءة الطاقة عبر سياسات تدعم تخفيض استهلاك الطاقة في القطاعات الإنتاجية المختلفة وخاصة في القطاع الصناعي، وخفض الاعتماد على الوقود الأحفوري من خلال تعزيز مشاريع الهيدروجين الأخضر والنقل المستدام، وتعزيز الشراكات الإقليمية مثل مشروع الربط الكهربائي مع الدول المجاورة لتبادل الطاقة النظيفة، بحسب شوشان.
وأشار إلى أن التمويل المناخي يلعب دورًا محوريًا في دعم تحول الأردن إلى الطاقة النظيفة، وتسعى المملكة للحصول على تمويلات دولية لتنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة بما في ذلك صندوق المناخ الأخضر (GCF) الذي يدعم مشاريع التحول الطاقي خاصةً في الدول النامية، ومن البنك الدولي ومؤسسات التمويل الدولية التي تمول مشاريع الطاقة الشمسية والرياح، ومن خلال الشراكات مع الاتحاد الأوروبي والاتفاقيات الموقعة مؤخرًا بجهد ومتابعة من جلالة الملك، ومؤسسات الأمم المتحدة التي توفر منحًا واستثمارات لتعزيز الاستدامة.

وتعكس هذه الجهود التزام الأردن بتسريع التحول إلى الطاقة النظيفة، لكن نجاحها يعتمد على تعزيز الاستثمارات وبناء شركات عالمية وإقليمية، ودعم الابتكار في التقنيات الخضراء، والإستقرار التشريعي من حيث القوانين والأنظمة والتعليمات الناظمة للقطاع، ورفع الوعي بأهمية الطاقة المستدامة على مستوى المؤسسات والشركات الصغيرة والمتوسطة.

القيمة الاستثمارية للطاقة المتجددة وتوفير فرص عمل خضراء

قطاع الطاقة المتجددة من أكثر القطاعات الواعدة استثماريًا في الأردن، حيث استقطب استثمارات تجاوزت 5 مليارات دولار حتى الآن، ومن المتوقع أن يواصل نموه ليصل إلى 10 مليارات دولار بحلول 2030.
وساهم في خلق فرص عمل خضراء؛ حيث وفرت مشاريع الطاقة الشمسية والرياح آلاف الوظائف في مجالات التشغيل والصيانة والتصنيع المحلي ومن المتوقع أن يسهم التحول الطاقي في خلق أكثر من 23,000 فرصة عمل خضراء خلال العقد المقبل.
كما ساهم القطاع في تحفيز الصناعات المرتبطة بالطاقة المتجددة مثل تصنيع الألواح الشمسية والتوربينات الهوائية، مما يعزز الاقتصاد المحلي ويقلل الاعتماد على الواردات، وتوفير التكاليف على المدى الطويل: حيث تسهم الاستثمارات في الطاقة النظيفة في تقليل فاتورة استيراد الوقود وتعزيز الأمن الطاقي للمملكة حسبما أضاف شوشان.

توجيه جلالة الملك لـ "الهيدروجين الأخضر" كجزء من مستقبل الطاقة

واستعرض شوشان توجيه جلالة الملك نحو الهيدروجين الأخضر؛ حيث انسجامًا مع التوجه العالمي نحو الهيدروجين الأخضر، وجه جلالة الملك الحكومة، في كتاب التكليف السامي، إلى تسريع التحول نحو هذا المصدر الواعد للطاقة، ووفقًا لسياسة الهيدروجين الأخضر في الأردن، فإن حجم الاستثمارات المتوقعة في هذا القطاع يصل إلى 28 مليار دولار، ما يجعله أحد أكبر المشاريع الاستراتيجية في المملكة.
وتسعى الحكومة إلى استثمار موقع المملكة الاستراتيجي وشبكة الطاقة المتطورة لجذب الاستثمارات في إنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره إلى أوروبا والأسواق الإقليمية، إضافة إلى دعم الاقتصاد الوطني من خلال خلق فرص استثمارية جديدة وتعزيز التعاون مع الشركاء الدوليين في مجال الطاقة النظيفة.

الطاقة المتجددة والدور الحاسم في الاستدامة البيئية

من جهته، أكد الدكتور المهندس إسماعيل المصالحة المتخصص في الهندسة الميكانيكية / الطاقة المتجددة أن مشاريع الطاقة الشمسية والرياح تلعب دورًا حاسمًا في الحد من الانبعاثات الكربونية وتعزيز أمن الطاقة وتحقيق الاستدامة البيئية مع التزايد المستمر في الطلب على الطاقة حيث أصبحت الحاجة ملحة إلى مصادر نظيفة وفعالة للحد من التلوث البيئي وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، مشيرًا إلى أن الأردن من الدول الرائدة في المنطقة بتبني مشاريع الطاقة المتجددة خاصة في مجالي الطاقة الشمسية والرياح.
وبين المصالحة أن الحكومة أدركت أهمية التحول إلى الطاقة النظيفة لمواجهة التحديات المرتبطة بتغير المناخ حيث وضعت العديد من التشريعات الداعمة للاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، ما ساهم في جذب الشركات المحلية والدولية للاستثمار في هذا القطاع الحيوي، بالإضافة إلى إنشاء محطات كبرى توفر كميات كبيرة من الكهرباء النظيفة، ما أدى إلى تخفيض تكاليف إنتاج الطاقة وتحقيق فوائد بيئية كبيرة، وخلق فرص عمل جديدة وعزز النمو الاقتصادي من خلال توطين التكنولوجيا ونقل الخبرات.
وأشار إلى أن الطاقة الشمسية تعتمد على تحويل أشعة الشمس إلى كهرباء من خلال الخلايا الكهروضوئية أو أنظمة الطاقة الشمسية المركزة نظرًا لكونها مصدرًا متجددًا ليقلل من الحاجة إلى محطات توليد الطاقة التقليدية التي تعتمد على الفحم أو الغاز الطبيعي، ما يحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والملوثات الأخرى، كما أن الطاقة الشمسية تتميز بعمر افتراضي طويل وانخفاض تكاليف التشغيل ما يجعلها خيارًا اقتصاديًا ومستدامًا.
وأوضح أن طاقة الرياح تعد من أكثر مصادر الطاقة المتجددة كفاءةً، حيث تعتمد على تحويل الطاقة الحركية للرياح إلى طاقة كهربائية عبر التوربينات لتسهم هذه التقنية في تقليل الانبعاثات الكربونية بنسبة كبيرة خاصة في المناطق التي تتمتع بسرعات رياح عالية، مضيفًا أن طاقة الرياح لا تتطلب استهلاكًا كبيرًا للمياه على عكس محطات الطاقة التقليدية التي تحتاج إلى كميات هائلة من المياه للتبريد.
وأضاف أن مجمع الطاقة الشمسية في المفرق أحد أكبر مشاريع الطاقة الشمسية في المنطقة بطاقة إنتاجية تصل إلى 50 ميغاواط، ويوفر كهرباء نظيفة تكفي لتشغيل عشرات الآلاف من المنازل سنويًا بالإضافة إلى أنه يساهم بشكل كبير في تقليل الانبعاثات الكربونية، ما يعزز من التزام الأردن بتحقيق أهدافه البيئية، ومشروع طاقة الرياح في الطفيلة الذي يعد أول مشروع من نوعه في الاردن بقدرة إنتاجية تبلغ 2400 ميغاواط،وذلك يشكل 20% من توليد الكهرباء من مصادر متجددة، مشيرًا إلى أنها توفر طاقة مستدامة ويقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري.
وأشار المصالحة أنه من الضروري تعزيز تقنيات تخزين الطاقة لضمان استمرارية التزويد بالكهرباء، إضافة إلى ضرورة تطوير الشبكات الذكية لدمج الطاقة المتجددة بكفاءة أكبر، بالإضافة إلى أن زيادة الاستثمارات في البحث والتطوير تُعد خطوة أساسية لتحسين كفاءة الأنظمة الشمسية وطاقة الرياح، ما يعزز قدرة الأردن على مواجهة التحديات المستقبلية وتحقيق استدامة في قطاع الطاقة.