نبض البلد - الحياة ليست كما تبدو؛ إنها شبكة متداخلة من التناقضات التي تحكمنا دون أن نشعر. في زحمة الأيام، يتعلم الإنسان أن الحقيقة ليست ما نراه، بل ما نشعر به في أعماقنا. ليست الحقيقة كلمات تُقال، بل شعورٌ ينساب في صمت، يوقظك حين تظن أنك مستيقظ، ويأسرك حين تظن أنك حر.
كم مرة ظننا أننا فهمنا أنفسنا؟ ثم اكتشفنا أن كل ما كنا نعرفه لم يكن سوى ظلالٍ لأفكارٍ كاذبة، صنعناها بأنفسنا لنخدع بها ذواتنا. إن الحياة ليست سطرًا يُكتب، بل كتابٌ معقدٌ بلا نهاية. كل صفحةٍ فيها سؤال، وكل إجابة تُفتح بها أبوابٌ لا تُغلق. نحن عابرون، لكننا نحمل بداخلنا أبديةً من الأحلام والأفكار التي تشتعل كالشمس، تحرقنا حين نحاول لمسها، لكنها تنير طريقنا.
نعيش وكأن الوقت لا يمضي، ثم نستيقظ فجأة لنكتشف أن كل شيء حولنا تغير، إلا تلك الأفكار التي تمسك بخناقنا. الأفكار التي نحاربها هي ذاتها التي تعيد تشكيلنا. كل يوم نقف أمام مرآة أنفسنا، ونسأل: هل نحن كما كنا؟ أم أن الحياة أعادت تشكيلنا دون أن ندري؟
إن الصراع بين القلب والعقل ليس حربًا، بل رقصٌ دائم على حافة الخوف والرغبة. الرغبة في المجهول، والخوف من أن نفقد ما نعرفه. نحن نبحث عن اليقين في عالم لا يعرف إلا الشك، ونبحث عن الحب في قلوبٍ اعتادت الهروب.
وماذا عن القدر؟ أهو صديقنا أم عدونا؟ ربما هو المرآة التي تعكس ما نخفيه، والبوابة التي تدفعنا لمواجهة ما لا نجرؤ على النظر إليه. القدر ليس عدوًا، بل معلّمٌ قاسٍ، يعيدنا دائمًا إلى حيث يجب أن نكون، وإن كرهنا الطريق.
وهنا تكمن الحرية. ليست الحرية في التخلص من القيود فقط، بل في تعلم الانسجام مع الفوضى التي تسكننا. إنها القدرة على التوازن بين الضجيج الخارجي والصمت الداخلي، بين ما نريد وما نحتاج، بين من نحن ومن نأمل أن نكون.
والمقولة التي تظل شاهدة على كل رحلة هي:
"الحرية الحقيقية ليست في الانفصال عن العالم، بل في الانسجام مع فوضاه."
بقلم: د. عمّار محمد الرجوب