نبض البلد - الأنباط – جاد جادالله
في مقابلة أجرتها "الأنباط"، تحدث محمد (اسم مستعار)، أحد مجهولي النسب عن مسار حياته الذي بدأ برعاية ملكية في مبرة ام الحسين، قبل أن يتم نقله إلى المراكز التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية.
"محمد" روى تفاصيل رحلته التي شهدت محطات مؤلمة ومعقدة، خاصة بعد بلوغه السن القانونية وخروجه لمواجهة تحديات الحياة بمفرده، إذ بدأ حديثه مسترجعًا ذكريات العشر سنوات الأولى من حياته التي قضاها في مبرة ام الحسين، ووصف تلك الفترة بأنها كانت مليئة بالخدمات المثالية والرعاية العالية، وأوضح: "رعايتنا في العشر سنوات الأولى كانت ممتازة.
وأضاف، كنا نحصل على كل ما نحتاجه، من الطعام والشراب إلى التعليم والرعاية الصحية، والمبرة كانت مجهزة بالكامل، من باحات جميلة إلى مرافق تعليمية متطورة، وكان المعلمون يقدمون لنا كل المعلومات التي نحتاجها"
وأكد أن الاشراف كان بشكل مباشر على حياتنا داخل المبرة، حيث يتم تقييم أدائنا الدراسي والعملي باستمرار، وتوجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني كانت تركز على تلبية احتياجاتنا وتوفير حياة كريمة لنا خلال تلك الفترة.
لكن، مع بلوغنا سن العاشرة، تم نقل الأطفال إلى مراكز البر التابعة لوزارة التنمية، ما شكل صدمة كبيرة لنا، ويصف "محمد" هذه المرحلة قائلاً: "لا تقارن الخدمات في مراكز الأيتام التابعة للتنمية الاجتماعية ب مبرة ام الحسين وكان من الصعب علينا ترك المكان الذي نشأنا فيه كأطفال والتأقلم مع مراكز جديدة، والانتقال لم يكن سهلاً، خاصة عندما اخبرونا في المرة الأولى أننا ذاهبون لشراء أحذية، لكننا وجدنا أنفسنا في مركز جديد بعيد تمامًا عن المبرة."
وأضاف أن الأطفال يتم نقلهم تدريجيًا بين مراكز البر، ويقضون مراحل مختلفة منها في البيادر حتى الثانية عشرة، ثم في المركز الهاشمي الشمالي حتى الرابعة عشرة، وأخيرًا في مركز شفا بدران حتى الثامنة عشرة.
في هذه الأثناء، بدأ محمد يتساءل عن قصته الحقيقية، خاصة بعدما تعلم الكتابة والقراءة، واسترجع قائلاً:
"كان يراودني شعور قوي بمعرفة قصتي، وتسللت يومًا إلى حيث كانت تُحفظ معلوماتنا الشخصية، وكانت الصدمة كبيرة عندما قرأت أنني عُثرت كطفل رضيع داخل كرتونة أمام مسجد في منطقة القويسمة شرقي عمان."
وبعد انتهاء الغطاء القانوني لرعايته ببلوغه الثامنة عشرة، خرج محمد للحياة التي كان يعتقد أنها ستكون مليئة بالفرص، لكنه واجه واقعًا مختلفًا تمامًا.
يقول: "كنت أعتقد أن الخروج من المركز سيكون بداية لحياة جديدة، لكنني اكتشفت أن الأمور أصعب بكثير، فـ بدأت العمل في محل للبلاستيك، وكنت أنام داخله ليلاً ويغلق صاحب المحل الباب عليّ حتى صباح اليوم التالي، واستمريت على هذا الحال ثلاث سنوات حتى بلغت الحادية والعشرين، ثم انتقلت للعمل في مقهى حتى الخامسة والعشرين."
وأشار إلى أنه من عشاق الرياضة، حيث كتب لمدة عامين في نتائج المباريات، ما أتاح له فرصة العمل مع النادي الفيصلي كمحرر في صفحة النادي الرسمية بمساعدة أحد المسؤولين، لكنه اضطر لمغادرة النادي بعد وفاة الشيخ سلطان العدوان، الأمر الذي أنهى فترة وصفها بأنها من أجمل مراحل حياته.
ورغم محاولاته المستمرة، واجه صعوبات كبيرة بسبب وضعه كمجهول النسب، وهو ما كان يعيق حصوله على فرص عمل مستقرة. يقول محمد: "كثير من المؤسسات كانت توافق على توظيفي في البداية، لكنها تتراجع عندما تكتشف أنني مجهول النسب، حتى بت أشعر وكأنني أعاقب على شيء لا ذنب لي فيه."
وأوضح أن مجهولي النسب يتم تمييزهم عبر أرقامهم الوطنية التي تبدأ بـ(2000)، وأسمائهم الرباعية التي يتم اختيارها عشوائيًا، إضافة إلى أوراق رسمية تثبت إقامتهم في مراكز الرعاية التابعة للتنمية.
وختم محمد حديثه قائلاً:
"لا أحتاج للمال أو الطعام، بل إلى مكان آمن يحميني من برد الشتاء وحر الصيف، أتمنى العودة إلى مراكز الرعاية أو مبرة ام الحسين، حيث كنت أشعر بالأمان، وتابع أحاول الابتعاد عن الناس حتى لا يكتشفوا حقيقتي، وأعيش على أمل أن أتمكن من تحقيق حلمي في دراسة إدارة الأعمال."
قصة محمد تعكس واقع شريحة مجهولي النسب في الأردن، الذين يواجهون تحديات اجتماعية واقتصادية كبيرة بعد خروجهم من الرعاية القانونية، وتبقى قصصهم شاهدة على ضرورة وجود برامج دعم مستدامة لهم، تضمن لهم حياة كريمة ومستقبلاً أفضل.