خبير غذائي يوضح أثر الزراعة على المناخ.. "تحليل الانبعاثات الزراعية وفرص الاستثمار بالحد منها"

نبض البلد -

الأنباط – رزان السيد

تعد الزراعة ثاني أكثر قطاع يساهم في التغير المناخي، سواء من خلال غازات الاحتباس الحراري المنبعثة من حيوانات المزرعة أو من عمليات تحويل الأراضي الزراعية، إذ تساهم هذه الأنشطة في زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة، والتي تؤدي إلى تغيرات بيئية قد تضر بالأنواع المحلية، وتقلل من خصوبة الأراضي في المستقبل، كما أن تربية الحيوانات تعمل على انبعاث غازات ضارة مثل الميثان، الذي يعد من أقوى الغازات المسببة للاحتباس الحراري، ويعد الميثان من الغازات التي تساهم في رفع درجات الحرارة العالمية بشكل أسرع من غاز ثاني أكسيد الكربون.
وتشير دراسات إلى أن إزالة الغابات لزيادة المساحات الزراعية ساهمت بنسبة 20 إلى 25% من الانبعاثات العالمية لغازات الدفيئة في 2010، ما يؤكد أن الأنشطة الزراعية التي تساهم في تحويل الغابات والموارد الطبيعية إلى أراضٍ زراعية، تؤدي إلى تدمير الموائل الطبيعية وتدهور التنوع البيولوجي، كما تشير إلى أن معظم انبعاثات الأغذية الزراعية تأتي من البلدان النامية، حيث تشكل إزالة الغابات وتحويلها إلى أراضٍ زراعية جزءًا كبيرًا من تلك الانبعاثات، وفي البلدان ذات الدخل المنخفض، تزيد هذه الانبعاثات من خلال تحويل الغابات إلى مراعي أو أراضٍ زراعية، حيث تشكل أكثر من نصف الانبعاثات، بينما تمثل متوسطة الدخل حوالي خمس تلك الانبعاثات.
واوضح خبير الأمن الغذائي الدكتور فاضل الزعبي لـ "الأنباط"، أن الزراعة من القطاعات التي تساهم بشكل كبير في التغيرات المناخية، إذ تحتل المركز الثاني من القطاعات المؤثرة على المناخ بعد قطاع النقل، موضحًا أن ممارسات الإنتاج الزراعي في البيئة تؤثر على مدار مراحل متعددة، من قبل الإنتاج الزراعي وحتى مرحلة ما بعد الاستهلاك.
وبين في مراحل قبل الإنتاج الزراعي وبعده، تقدر التهديدات المناخية بنسبة 33.8% ، وتقسم على النحو التالي، تغليف الطعام 1.8%، توليد الطاقة للمزارع 2.5%، تصنيع المدخلات 3.1%، تصنيع الغذاء 3.1%، نقل الغذاء 4.4%، التجزئة – الطعام 4.2%، الغذاء والاستهلاك المنزلي 7.3%، والتخلص من النفايات الزراعية 7.9%.
وتابع أن التغيرات في استخدام الأراضي تشكل أيضًا جزءًا كبيرًا من التأثيرات المناخية الناجمة عن الأنشطة الزراعية، حيث بلغت نسبة تأثيرها على المناخ 20.8% من إجمالي الانبعاثات الزراعية، و تقسم إلى حرائق 2.4%، صافي تحويل الغابات إلى أراضٍ زراعية 18.4%.
وفي المزرعة بلغت نسبة تأثير الزراعة على المناخ 45.4%، وتقسم على، بقايا المحاصيل 2.8%، السماد الطبيعي 8.3%، التربة العضوية المستنزفة 5.7%، زراعة الأرز 4.3%، الأسمدة الاصطناعية 3.8%، استخدام الطاقة في المزرعة 2.9%، والتخمر المعوي 17.6%، مبينًا أن التخمر المعوي الناتج عن الحيوانات هو المصدر الأكبر للانبعاثات في مزارع الإنتاج الحيواني، تليه عمليات استخدام الأسمدة الطبيعية والاصطناعية، مما يشير إلى ضرورة تعديل ممارسات الزراعة والحد من انبعاثات غازات الميثان.
وبين الزعبي أن نظم الأغذية الزراعية تشكل جزءًا كبيرًا من الانبعاثات العالمية لغازات الدفيئة، ورغم ذلك يعتبر التمويل المخصص لخفض أو إزالتها ضعيفًا، مما يشير إلى ضرورة تعزيز الاستثمار في هذا القطاع للتصدي للتغير المناخي، مشيرًا إلى أنه يمكن أن يعود الاستثمار في خفض الانبعاثات الزراعية بفوائد ضخمة على الأصعدة الصحية والاقتصادية والبيئية. مبينا أن التمويل المخصص لخفض أو إزالة الانبعاثات في نظم الأغذية الزراعية يمثل نسبة ضئيلة تصل إلى 2.4% فقط من إجمالي التمويل المخصص للتخفيف من آثار التغير المناخي، مشيرًا إلى ذلك يعكس فجوة كبيرة بين التحديات التي يسببها القطاع الزراعي وأدوات التمويل المتاحة لمكافحة هذه التحديات، حيث تشير الدراسات إلى أن عوائد الاستثمار في خفض انبعاثات الأغذية الزراعية أكبر بكثير من التكاليف.
وأكد أنه يجب زيادة الاستثمارات لتقليص الانبعاثات، من أجل خفض الانبعاثات الناتجة عن الأغذية الزراعية إلى النصف بحلول 2030، إذ يجب زيادة الاستثمارات السنوية في هذا القطاع بشكل كبير، مشيرًا أن التقديرات تشير إلى ضرورة زيادتها بحوالي 18 مرة لتصل إلى 260 مليار دولار سنويًا، وهذا ما يمكن أن يساهم بشكل فعال في تقليص الانبعاثات في هذا المجال.
وأشار أنه إذا تم استثمار هذه المبالغ بشكل مناسب، يمكن أن تتحقق فوائد صحية، اقتصادية، اجتماعية وبيئية، تصل قيمتها إلى 4.3 تريليون دولار بحلول عام 2030، وهذا يعني أن العائد على تكاليف الاستثمار سيكون 16 إلى 1، ما يعكس العوائد الضخمة التي يمكن أن يتم تحقيقها في حال تم تخصيص الموارد بشكل صحيح. مؤكدا على دور البلدان ذات الدخل المرتفع، إذ تستطيع أن تلعب دورًا كبيرًا في خفض الانبعاثات الزراعية، بحكم قدرتها على الوصول إلى الموارد المالية والتكنولوجيا الحديثة، مشيرًا إلى أن هذه البلدان تتحمل عادة أكبر طلب على الطاقة من قبل الأنشطة الزراعية، وبالتالي يتعين عليها تكثيف الجهود لتشجيع استخدام الطاقة المتجددة في القطاع الزراعي، كما ينبغي عليها تقديم المزيد من الدعم المالي والفني للبلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط لمساعدتها في تبني ممارسات زراعية منخفضة الانبعاثات وتطوير قدراتها على استخدام التقنيات الجديدة بشكل فعال.
وأضاف أنه يتعين على البلدان ذات الدخل المرتفع أن تساهم في تقليص الطلب الاستهلاكي على الأغذية ذات المصدر الحيواني كثيفة الانبعاثات، مثل اللحوم الحمراء ومنتجات الألبان، ويمكن لهذه البلدان التأثير على استهلاك الغذاء بتضمين التكاليف البيئية والصحية التي يتحملها المجتمع بالكامل في أسعار المواد الغذائية، كما يمكن تحويل دعم اللحوم الحمراء ومنتجات الألبان نحو الأطعمة ذات الانبعاثات المنخفضة مثل الدواجن أو الفواكه والخضروات، مما سيسهم في تقليل الانبعاثات وتقليص الضغط البيئي الناتج عن الزراعة التقليدية.
ويعد التمويل في قطاع الأغذية أحد الركائز الأساسية لمكافحة التغير المناخي، ورغم التحديات الحالية في تخصيص التمويل اللازم، فإن الفوائد المحتملة من زيادة الاستثمارات في هذا القطاع تجعلها خطوة ضرورية، من خلال دعم البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط وتعديل أنماط الاستهلاك في ذات الدخل المرتفع، يمكن أن تساهم المجتمعات العالمية بشكل فاعل في تقليل انبعاثات الأغذية الزراعية والحفاظ على البيئة من أجل الأجيال القادمة.