الشعر النبطي بلمسة رقمية: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون شاعراً بدويا فذا؟
حسام الحوراني خبير الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي
في قلب البادية العربية، حيث كانت النجوم تزين سماء الصحراء، ونسيم الليل يحمل صوت الشاعر البدوي وهو يرتل أبياته من الشعر النبطي، نجد أن الإبداع البشري قد ارتبط منذ القدم بجذور الثقافة البدوية العريقة. ولكن ماذا لو قلنا لك أن الآلة، تلك الخوارزميات و البرامج الباردة والعقلانية، بدأت تدخل هذا العالم الفني العريق؟ هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصبح شاعرًا بدويًا؟ وهل بإمكانه أن ينسج قصائد نبطيّة تحمل روح الصحراء ونبض البادية؟ هذه الأسئلة المثيرة أصبحت حقيقةً واقعية في عصرنا الرقمي.
في رحلة استكشافية مثيرة، نغوص معاً في عمق هذا التحدي الفريد، لنكتشف ما إذا كان بإمكان الذكاء الاصطناعي أن يرتقي ليصبح شاعراً بدوياً فذاً، يحمل مشعل التراث ويضيء به آفاق المستقبل.
الشعر النبطي: ذاكرة البادية
الشعر النبطي، بفنّه العريق وجذوره العميقة في التراث العربي، يعكس حياة البدو اليومية، أفراحهم وأحزانهم، ومشاعرهم الجياشة تجاه الطبيعة والوطن والحب. إنه فن لا يعتمد فقط على إتقان القوافي، بل على شعورٍ صادق ينبع من القلب ليصل إلى قلوب المستمعين. ولكن مع تقدم التكنولوجيا وظهور الذكاء الاصطناعي، بدأنا نرى كيف يمكن للخوارزميات تحليل هذا التراث وإعادة صياغته في قوالب جديدة.
الذكاء الاصطناعي والشعر: ثورة في عالم الإبداع
الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة لحل المعادلات أو إدارة البيانات؛ بل تطور ليصبح قادرًا على تحليل الأنماط اللغوية وتوليد نصوص أدبية، من بينها الشعر. وقد ظهرت تجارب في مختلف اللغات حول العالم، حيث تمكنت الخوارزميات من كتابة قصائد في شتى الأنواع الأدبية. ولكن الشعر النبطي، بقافيته الفريدة وروحه المستمدة من الصحراء، يمثل تحديًا خاصًا.
كيف يعمل الذكاء الاصطناعي في كتابة الشعر؟
تعتمد خوارزميات الذكاء الاصطناعي في كتابة الشعر على تقنيات مثل التعلم العميق، حيث يتم تدريب هذه النماذج على كميات هائلة من النصوص الشعرية. يتم تغذية الذكاء الاصطناعي بقصائد نبطية، ليتعلم منها الأنماط اللغوية، القوافي، والتركيبات الشعرية المميزة لهذا الفن. وبتحليل هذه القصائد، يمكن للذكاء الاصطناعي توليد قصائد جديدة تحاكي الأسلوب النبطي، ولكن السؤال الحقيقي هو: هل تحمل هذه القصائد روح البدوي؟
تجربة حقيقية :
طلبت انا شخصيا وبشكل سريع من الذكاء الاصطناعي ان يتدرب على الابيات التالية للشاعر النبطي المعروف سعد بن جدلان :
لا حدانا القلّ واللّي روابعهم ضعوف
جعل ربّي ما يرينا غضبه ولا جفاه
ولا نقفل بابٍ من الرزق حرّاسه وقوف
فتّحت بيبان الأرزاق من كل اتجاه
ومن ثم طلبت من الذكاء الاصطناعي ان يؤلف 20 بيتا على نفس النمط وهذه هي النتيجة :
لا وقفنا في المواقف نعرف الحق والمعروف
والنفوس الطيبة دوم تلقى رضاها
في دروب الخير نوقف ما نبي منها عزوف
والشجاعة فالكرم دوم يعلى مستواها
ومن عطانا الله ما نخشى على الباقي خوف
دام ربي بالخفا دوم يرعى عطاها
لا غدت دنيانا بأهل الوفا شمسٍ تطوف
تشرق بقلوب الوفا وتزيد فينا ضياها
والضعيف اللي تكدر قلبه الضيق والعسوف
ندعي الله يفرج همه وينير خطاها
كل ما زادت علينا الضيقات نطلبه اللطوف
ينثر السعادة بقلوبنا ويمحي بلاها
لا يطيح الغيم ونسقي منه الأرض الجفوف
ترتوي صدورٍ ظماها وعمّ خير رضاها
والكريم اللي بيدينه يعطي لا يعرف خفوف
في المواقف الكبار دوم يعلي جواها
كل ما جات الليالي بالعسر نرجع لله العطوف
نطلبه يفتح لنا بابٍ يعز اللي عطاها
يا شريكي في العهود ويا راعي الوقوف
لا تخون العهد دام القلب ما قد جفاها
والرجال اللي على الطيب ما تنقصه حروف
تبقى الذكرى معه لا العسر يومٍ نساها
واحتزم فالموقف اللي فيه يشهد لك صفوف
الكرامة والشهامة دوم دربٍ وراها
لا حدانا القلّ واللّي دماهم وقوف
جعل ربّي ينثر الخير ويغمر صداها
ولا غدينا في عزيمتنا نتبع الضعف كسوف
دام ربي معنا في كل حالٍ ونداها
من عشق درب المعالي ما يخاف من الزحوف
يثبت الحق في المواقف ويعيش في علاها
ارى ان هذه النتيجة ممتازه واذا اضفنا عليها بعض التعديلات اللغوية واستبدلنا بعض الكلمات وحسنا السياق قليلا، ربما ستكون النتيجة مذهلة جدا! اليس كذالك ايها الشعراء النبطيون؟
بين الإبداع البشري والإبداع الرقمي
من الصعب أن نقول إن الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يحل محل الشاعر البدوي- على الاقل في الوقت الحالي!. فالإبداع البشري يتجاوز مجرد تركيب الكلمات بشكل منطقي؛ إنه يتضمن مشاعر حقيقية وتفاعلًا مع البيئة والمواقف التي يعيشها الشاعر. الشاعر البدوي عندما ينظم قصيدته، يعبر عن تجربة حياتية أو مشاعر شخصية قد لا يتمكن الذكاء الاصطناعي من استيعابها بالكامل.
ومع ذلك ومن خلال التجربة اعلاه، يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي يقدم لمسة رقمية جديدة لعالم الشعر النبطي، حيث يمكن استخدامه كمصدر إلهام للشعراء البشريين. قد يكون قادرًا على توليد قصائد بأسلوب فني محدد، ولكن الإبداع الحقيقي لا يزال في يد الإنسان الذي يعرف كيف يمزج بين العقل والقلب.
بالنسبة لبعض الشعراء، قد يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه منافس جديد في ساحة الإبداع. ولكن في الواقع، يمكن أن يكون شريكًا مبدعًا. الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد الشعراء في تجاوز "جفاف الإلهام"، من خلال تقديم اقتراحات لنصوص جديدة أو توليد أفكار يمكن للشاعر أن يبني عليها.
مستقبل الشعر النبطي في ظل الثورة الرقمية
مع تقدم الذكاء الاصطناعي، من المتوقع أن يواصل هذا المجال التطور والتأثير على مختلف أشكال الإبداع، بما في ذلك الشعر النبطي. قد يصبح الذكاء الاصطناعي أداة يستخدمها الشعراء لتطوير أساليبهم أو استكشاف أفكار جديدة. كما قد يفتح الأبواب أمام فئات جديدة من الجمهور للتعرف على الشعر النبطي من خلال تجارب رقمية مبتكرة، مثل التطبيقات الذكية التي تولد قصائد مخصصة للمستخدمين بناءً على اهتماماتهم.
خاتمة: الشعر النبطي بين التراث والتكنولوجيا
يبقى الشعر النبطي فنًا ينبض بالحياة بفضل تاريخه العريق وتراثه الثري. وقد يكون الذكاء الاصطناعي قادراً على تقليد بعض جوانب هذا الفن، لكنه لا يمكن أن يحل محل الروح التي يبثها الشاعر في أبياته. الذكاء الاصطناعي قد يضيف لمسة رقمية جديدة على هذا الفن، لكنه سيبقى مجرد أداة في يد الشاعر الذي يعرف كيف ينقل مشاعره وتجربته الحياتية إلى كلمات تُحفر في ذاكرة المستمعين.
في النهاية، وبصراحة : هذه كله الان، اما بعد عدة سنوات وحسب ما اتوقعة، واذا بقينا بنفس التسارع في تطور الذكاء الاصطناعي، فلربما يتغير الحال ونحيل جميع الشعراء النبطيون على التقاعد المبكر! او نتيجة اصابة عمل لعدم مجاراة الذكاء الاصطناعي! . "والباقي عندكم"
الله ولي التوفيق