نبض البلد - - حقّقت إنجازاً في الثانوية العامّة بحصولي على معدّل 82% وأنا في المعتقل.
- تجربة السجن لم تكن هيِّنة.
- السجن فرصة لتحطيم المعنويات للأسيرات، هكذا تريد إسرائيل.
- المأساة التي عشتُها في السجون الإسرائيلية دفعتني إلى الدراسة.
- أكثر من دعم قراري في مواصلة الدراسة دعم الأسيرات.
- قرّرت ألّا أسمح لتجربة المعتقل أنْ تكسر إرادتي.
المقدمة:
ليست الكتابة مجرد تثبيت مادي للكلمة، وهذا النفي الذي يدعمه الفيلسوف الفرنسي بول ريكور منذ العام 1977 له تبعاته، سيما قوله: "إنّ الكتابة علاقة مخصوصة غير كافٍ، فإضافة إلى أن الكتابة هي أن يتجلى جنس أدبي"، أما ما قالته زمزم القواسمة إنّ أدب السجن جنس أدبي فلسطيني يصنع كلّ أجناس الإبداع، إنّها حالة فلسطينية قلَّ نظيرها في عصرنا الحاضر، جعل السجن بوابة الأمل والتحدّي.
هذه الرؤية القرائية ليست من باب زجّ الكلمات في سياقات متخيّلة، بل هي كلمات حقيقية واقعية أخرجتها إلى النّور بنادق العدو الإسرائيلي، النّور هنا هو صناعة غاشمة حيث "نور" الاعتقال الذي يحمل في جوهره ظلام دامس، لا يعرف للنور معنى إلّا الاعتقالات وزجّ من يعشق الحياة في سجونه.
هذا العدو البغيض يكره أنْ يرى الإنسان الفلسطيني يتحصّل على العلم ويقارب الحضارة الإنسانية المعاصرة. فكان لا بدّ من اعتقال الطالبة زمزم القواسمة وهي على مقاعد الدراسة، وفي السنة النهائية للمرحلة الثانوية العامّة.
وإنْ كانت تجربة المعتقل لزمزم بدأت بكلمة التحدّي، فإنّها انتهت برغبة الأسيرات الفلسطينيات في الوصول إلى المذياع الإسرائيلي الداخلي للسّجون الذي أراد من خلال هذا الصوت، ممارسة أبشع أنواع التعذيب النفسي، بنشر الأكاذيب وتضليل الرأي العام للأسرى، أسرى الحرية، لكن نجاح زمزم على معدل عالٍ. جعل هذا المذياع يقول الحقيقة ولو لمرّة واحدة، تفوّق الأسيرة في الثانوية العامّة؛ وهذا ليس غريباً على شعبنا الفلسطيني، فقبل العدو الإسرائيلي، مارست بريطانيا المحتلّة لفلسطين نفس الأسلوب وأنشأت إذاعة القدس لتمرير ادّعائها، فحولها أدباء فلسطين لصوت فلسطيني خالص، من خلال الشاعر الراحل الكبير إبراهيم طوقان، وأصبحت هذه الإذاعة صوت الثورة الفلسطينية التي انطلقت عام 1936، وسانده المربّي العلاّمة خليل السكاكيني.
هذه هي فلسطين التي أبحرت منذ فجر التاريخ نحو ضوء القمر، ونسجت على كلّ مسارح الاحتلال التي مرّت على فلسطين إنّا هنا باقون، وإنّا نحب فلسطين كما نحب الحياة. إنّه لحننا الأبدي والخالد.
في حوارنا معها، ألقت زمزم القواسمة كلمات التحدّي:
حاورها سليم النجار- غصون غانم.
الأسيرة المحررة الطالبة زمزم القواسمة من محافظة الخليل ابنة السبعة عشر ربيعاً كانت مدّة اعتقالها في سجون الاحتلال 6 أشهر خلال العام الدراسي، وحقّقت إنجازاً في الثانوية العامّة بحصولها على معدّل 82%.
" لكنّي فعلتها ونجحت لأغيظ الاحتلال".
تفوّقت زمزم على السجن والسجّان
تردّدتُ في تقديم اختبارات الثانوية العامّة، خاصّة وأنّي قضيت 6 أشهر في الاعتقال الإداري، الأمر الذي شكّل صعوبة وحيرة في تقديم الامتحانات، في التعليم فرغت قهري ومأساتي، ومارست حريتي صحيح أنّه لم يكن لديّ الكثير من الوقت لدراسة المنهاج كلّه، لكنّ المأساة التي عشتها في السجون دفعتني لتفريغ طاقتي بالدراسة، قرّرتُ ألاّ أسمح للتجربة بكسري، فنويت التقدّم للامتحانات، وفعلا تفوّقتُ بمعدل 82%.
تجربة الأسر لم تكن هيِّنه ولن تكون كذلك يومًا تحديدًا لفتاة ما زالت طالبة في المدرسة لم تنهِ تعليمها، وأكثر ما دعم قراري هو مساندة الأسيرات لي فيه، فلسن جميعًا حظين بمثل هذه الفرصة، وهذا ما جعلني أهدي لهن نجاحي عبر الإذاعات التي يصل صوتها للسجون الإسرائيلية لا أنكر أنّ تجربة الأسر جعلتني أتّخذ قرارًا بعدم الاستمرار، لكن إحدى الأسيرات قالت لي: "نجاحك فقط، سوف يكسر زيف انتصارهم"، فالسجن فرصة لتحطيم المعنويات هكذا تريد إسرائيل، فتذيق الأسرى والأسيرات كلّ درجات العذاب، وتحاول كسرهم وبتر أحلامهم.
اعتقلت قوّات الاحتلال الفتاة القواسمة بتاريخ 31/10/2022 بعد توقيفها على الحاجز العسكري المقام على مدخل شارع الشهداء وسط مدينة الخليل، حيث نقلت بعد اعتقالها مباشرة إلى مركز الشرطة التابع لمستوطنة كريات أربع قبل أنْ تنقلها إلى التحقيق في هشارون الرملة، ثمّ نقلت بعد التحقيق إلى سجن الدامون وأصدرت محكمة الاحتلال بحقِّها حكما بالسجن 6 شهور إضافة إلى غرامة مالية وقد أمضت محكوميتها وتحرّرت في نيسان/ أبريل الماضي.