د.أنور الخُفّش يكتب : إعادة تنظيم قطاع خدمات المكاتب الإستشارية ، ليس ترفاً ؟

نبض البلد -
نبض البلد -إن نطاق خدمات المكاتب الإستشارية الممكن تقديمها من الخدمات المحاسبية ، دراسات الجدوى الإقتصادية ، ودراسة وبحوث السوق والتنظيم وتطوير الهيكل التنظيمي والتخطيط والمراقبة المالية ، وتخطيط ومراقبة الأعمال ومراجعة الكفاية الإدارية وتحديد نتائجها والتواصل إلى مقترحات تمثل أحكاماً وآراء هي في غالب الأحيان إجتهادية وتقريبية . بذلك يتطلَّب من المكاتب الإستشارية ضرورة بذل أقصى جهد وعناية مهنية وفقاً لمعايير تحكمها المعلومات الفنيَّة والماليَّة المتوافرة ودرجة الموثوقيَّة بمصدر المعلومات ومنهجيَّة إجراء البحوث والأدلة الإسترشادية للإستشارات الإدارية والإقتصادية. بذلك فإن التصرف على حدود درجة المصداقية واحكامية التأكد من النتائج والآراء من المتطلبات الملحَّة لتحديد نطاق مسؤوليتهم للتوصل إلى نتائج الدراسات المبدئية وتحليلها وفقاً للمفاهيم الإحتمالية ودرجات إنحراف الأحكام التي تم التوصل إليها .

إن نطاق الخدمات الإستشارية لا يخضع لمعايير ثابتة من حيث تكوين الأصول والمبادئ العلمية كما هو الحال بالنسبة للمحاسبة والمراجعة ، التي تختلف بإختلاف الأنظمة والإجراءات المتَّبعة في مَنح التراخيص الصناعية والإستثمارية والقروض وإحتياجات المستثمر من المعلومات والبيانات لأغراض داخلية محدودة كهدف للخدمات الإستشارية المطلوبة ، كما برزت أهمية دور هذا القطاع خاصة إعادة الهيكلة ومعالجة الشركات المتعثرة  ، نتيجة للتطورات الإقتصادية التي تميزت بالإهتمام التنظيمي والعلمي لدى كافة الشركات والمؤسسات الإقتصادية الخاصة والحكومية بالمحاسبة والخدمات الإستشارية ، حيث بادرت مكاتب المحاسبة الكبرى في العالم بتشغيل خبراء دمج الشركات وأعمال التأمين والمخططين الماليين والمهندسين والمستشارين لتقديم الخدمات الإستشارية إضافة إلى أعمال المحاسبة والتدقيق .

وقامت غالبية مكاتب المحاسبة بتبنِّي فكرة تقديم الخدمات الإستشارية الإدارية بقصور واضح وممارسته بدرجات متفاوتة ومؤثرة على مستوى الخدمات التي تتقدم بها وذلك بسبب عدم تدعيم هذه المكاتب بالكوادر المؤهلة والمتخصصة في هذه المكاتب بتقديم هذه الخدمات من هنا نشأ التساؤل حول الضوابط والمتطلبات والمؤهلات العلمية والمهنية المطلوبة لإجازة مهن الخدمات الإستشارية .

من المفيد ، أن أستذكر معكم التساؤلات المثارة خلال الإجتماع التنسيقي لدول مجلس التعاون الخليجي والذي شاركت به بورقة عمل الذي نظمته منظمة الخليج الإستشارية الصناعية منذ فترة للأسف بقيت التساؤلات تنتظر الإستجابة المفقودة ، حول مشكلة عدم توافر الكفاءات والكوادر الفنية والمهنية المؤهلة على المستوى المرضي لدى عدد من المكاتب الإستشارية. بذلك يتَّضح أن هناك حاجة ملحِّة لوضع مبادئ تحكم وتساعد على تنمية وتطوير الخدمات الإستشارية بإستقلالية القائمين عليها وتحديد أدلة مهنية للخدمات الإستشارية تشمل الخواص الشخصية ، مصلحة العميل ، التخطيط والإشراف والرقابة ، من بوابة تبنِّي أصول السلوك المهني التي تشمل الإستقلالية الموضوعية والنزاهة والكفاءة المهنية وعدم تضارب المصالح من قبل أجهزة الحكومات التنظيمية والرقابية . بعيداً عن الإحتكار من قبل أعضاء مجالس إدارات الهيئات والجمعيات المهنية الخاصة ، ونتائجها المضرَّة بالإقتصاد الوطني بدءاً من تقويض مبدأ تكافؤ الفرص المتناقضة مع  تعزيز وإحترام أحكام وقوانين التنافسية التي تعمل على تطوير المهن بشكل طبيعي وتلقائي .

وقد توسَّع نطاق الخدمات الإستشارية لتشمل خدمات المراجعة الإدارية والتي تعتبر أحد أساليب تصحيح الأداء من تحديد الموازنات التقديرية للمشروعات وإبداء الرأي في سلامة الأداء الإداري متمثلة في نتائج مسبِّبات وتوصيات على شكل عدة حلول وبدائل وإجراء دراسات الجدوى الإقتصادية للمشروعات الإستثمارية ودراسة هياكل التمويل والربحية وإجراء الدراسات وأبحاث السوق الخاصة بالمنتجات وكذلك برامج الإنتاج والتشغيل والهندسات الصناعية ، والتوزيع وبرامج التدريب ولتشمل أيضاً خدمات تقنية الإدارة الرقمية للموارد في مجال التخطيط وتقييم الأنظمة ، بل تعدَّى الأمر إلى إجراء التحليل الإحصائي والبرمجة والتنبؤ والدراسات الفنيَّة في مجال نقل التكنولوجيا هذا ما يتطلب معالجة التشوُّهات التنظيمية الناقصة أو المفقودة ، وضرورة الإلتزام بقواعد الكفاءة المهنية ومعايير أداء فنية واضحة.

أليس من الضرورة والمصلحة ، أن توكل الأعمال الإستشارية إلى خبراء متخصصين ومؤهلين علمياً وفنياً في مجالات الإقتصاد ، المحاسبة ، الإدارة المالية ، النواحي الهندسية الفنية ، تقنية المعلومات ، التسويق والقانون. من المتعارف عليه أنه لا يمكن أن تجتمع هذه التخصصات والمعرفة الفنية بها لدى شخص واحد ، من هنا تأتي الحاجة والدعوة الملحة لتوفير الكوادر المتخصصة في كل المجالات على مستوى وقدر عالٍ من الكفاءة والتأهيل العلمي عند إعادة النظر في إعادة تأهيل المكاتب الإستشارية .

وفي حقيقة الأمر فإن المشكلة تتعدى عدم توافر الإمكانات الفنية والبشرية في بعض المكاتب الإستشارية القائمة ، لعدم وجود رقابة حكومية دقيقة ومستمرة على أعمال هذا القطاع الحيوي والمهم من حيث الدور الأساس في هيكلة المرتكزات الإقتصادية الإنمائية ، لذلك لا بد من إعادة النظر في آلية ومتطلبات منح التراخيص وكذلك في الكفاءة البشرية الموظفة وإيجاد صلة العلاقة والتكافؤ بين الأعمال المهنية القادرة على القيام بالأعمال الإستشارية الموكلة بها على أعلى المستويات من حيث الجودة والأداء والإستقامة والموضوعية والعناية الكاملة بالعمل وإيجاد آليات ومدونة سلوك لمهنة الإستشارات ، لا يتم ذلك في ظل تجاهل دور إدارة رقابة هذا القطاع من المنظم الحكومي لهذه المهن .

ونظراً لأهمية تكامل الأدوار في خدمة الإقتصاد الوطني التنموي ، كون المسؤولية الملقاة على مكاتب الخدمات الإستشارية تتعدى العلاقات الإقتصادية التبادلية بين القطاع العام والخاص ، بل كون دورها تأسيسياً لإتخاذ القرار الإستثماري ، إن أي برنامج للتنمية الإقتصادية يجب أن يقوم على إستراتيجية سليمة وتنظيم متين ومرن ، تستهدف تحقيق التوازن في زيادة نسبة مساهمة الصناعة الوطنية والقطاع الزراعي مكوِّن للصناعات الغذائية في مصادر الدخل الوطني والأنشطة الخدمية والتجارية ، بالإضافة الى مساهمتها في إستيعاب فائض العمالة والتمويل وتحديد الإحتياجات التمويلية والإدارية ، فإن تبنِّي إستراتيجيات ملائمة للتنمية الإقتصادية يمثِّل ضرورة تنموية ومن هنا يبدأ دور المكاتب الإستشارية بإجراء دراسات موسعة عن فرص الإستثمار وتحديد خارطة إستثمارية محفِّزة وجاذبة لأسواق المال كافة ، ومن هنا نتوصل إلى مطلب ضرورة إعادة التنظيم والتأهيل المهني للمكاتب الإستشارية وحوكمة أعمال هذا القطاع .

 

الرئيس التنفيذي / مرصد مؤشر المستقبل الإقتصادي

anwar.aak@gmail.com