هل فوجئت يوماً بأنك نسيت وهلة من الوقت ماذا كنت تفعل، أو ماذا أكلت منذ قليل، أو بمن كنت ستتصل حين التقطت الهاتف، أو غيرها من الأمور التي قد ننساها أحيانا للحظات معدودة وكأنها مُسحت من ذاكراتنا!
ويمكن أن يتبادر إلى ذهن المرء، في بعض الأحيان أو ربما في العديد من الأحداث في الحياة اليومية، تساؤل حول ما إذا كانت الهفوات في الذاكرة أمرًا طبيعيًا أم أنها علامة على التدهور المعرفي أو أنها بداية مراحل الخرف.
فعلى سبيل المثال، يمكن أن يستخدم الشخص المصعد للوصول إلى مسكنه لسنوات طويلة، وذات يوم يقف حائرًا أمام لوحة الأرقام محاولًا تذكر إلى أي طابق سيصعد! أو أن شخصا آخر يستخدم طريقًا محددًا للعودة من عمله إلى منزله يوميًا لسنوات، وذات مرة يتوقف عند أحد المقاطع محاولًا تذكر هل هو بحاجة إلى الانعطاف يمينًا أم يسارًا!
تقلص خلايا الدماغ
وبحسب ما ورد في تقرير أعده أوليفر بومان، أستاذ مساعد في قسم العلوم السلوكية بكلية علم النفس في "جامعة بوند وسيندي جونز” ونشره موقع Science Alert، يمكن أن تكون الإجابة الأولى بشكل غريزي هي الأمر يحدث بسبب تدهور الدماغ، مثله مثل باقي أعضاء الجسم، إذ تتقلص خلايا الدماغ عند التقدم في السن. كما أنها تحافظ على عدد أقل من الروابط مع الخلايا العصبية الأخرى وتخزن كمية أقل من المواد الكيميائية اللازمة لإرسال الرسائل إلى الخلايا العصبية الأخرى.
ولكن ليست كل هفوات الذاكرة ناتجة عن التغيرات المرتبطة بالعمر في الخلايا العصبية بمخ الإنسان. في كثير من الحالات، تكون هناك عوامل أقل أهمية لكنها تؤثر على الذاكرة بشكل مؤقت مثل التعب أو القلق أو التشتت.
أمر طبيعي
يقول بومان إنه ثبت علميًا أن بناء نظام ذاكرة الإنسان يعمل بطريقة تجعل النسيان بدرجة معينة أمرًا طبيعيًا، وهو في الواقع ميزة وليس عيبًا. إن الاحتفاظ بكافة الذكريات والتفاصيل كان يمكن أن يؤدي إلى استنزاف عملية التمثيل الغذائي فضلًا عن أن تراكم الكثير من المعلومات غير الضرورية يمكن أن يبطئ أو يعوق استرجاع ذكريات معينة. يبقى أنه لا تكون القدرة على تحديد ما هو مهم ويجب تذكره متاحة بشكل حاسم، لأن الدماغ يُفضل بشكل عام المعلومات الاجتماعية ويتجاهل المعلومات المجردة مثل الأرقام بشكل خاص.
يصبح فقدان الذاكرة مشكلة عندما يبدأ في التأثير على الحياة اليومية المعتادة. إنها ليست مشكلة كبيرة إذا كان الشخص لا يتذكر الاستدارة يمينًا أو يسارًا، لكن نسيان أنه يقوم بقيادة السيارة أو كيفية القيادة عندئذ تكون هناك حالة غير طبيعية، ويجب الانتباه إلى ضرورة استشارة طبيب بشكل عاجل.
إن الطريق بين فقدان الذاكرة المرتبط بالشيخوخة وفقدان الذاكرة الأكثر إثارة للقلق تم صياغته على أنه ضعف إدراكي خفيف. ويمكن أن تظل درجة الضعف مستقرة أو تتحسن أو تزداد سوءًا. لكنه يشير إلى زيادة خطر (حوالي ثلاث إلى خمس مرات) من الإصابة بأمراض التنكس العصبي في المستقبل مثل الخرف، والذي يصاب به سنويًا حوالي 10-15% من الأشخاص الذين يعانون من ضعف إدراكي خفيف بالخرف.
اللغة واتخاذ القرار
يوضح بومان أنه بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من ضعف إدراكي معتدل، فإن القدرة على القيام بالأنشطة المعتادة تتأثر تدريجياً وبشكل أكبر بمرور الوقت. إلى جانب فقدان الذاكرة، يمكن أن يكون مصحوبًا بمشاكل أخرى في اللغة والتفكير ومهارات اتخاذ القرار.
ويمكن أن يكون تشخيص الضعف الإدراكي المعتدل سيفًا ذا حدين. إنه يؤكد مخاوف كبار السن من أن فقدان الذاكرة لديهم غير طبيعي. كما أنه يثير مخاوف من تطوره إلى الخرف. ولكن يمكن أن يؤدي أيضًا إلى استكشاف العلاج المحتمل والتخطيط للمستقبل.
علامة مبكرة
ويشير بومان إلى أن هناك اعتقادا بأن تراجع القدرة على تذكر المسارات والطرق والعناوين (الطريق إلى المسكن أو محل العمل) تعد من العلامات المبكرة لمرض الزهايمر، وهو أكثر أنواع الخرف شيوعًا. أظهرت دراسات التصوير بالرنين المغناطيسي MRI أن المناطق التي تدعم بشكل حاسم الذكريات للبيئة المكانية هي أول الأجزاء التي تتأثر بهذا المرض التنكسي. لذا، فإن الزيادة الملحوظة في حالات عدم تذكر المسار أو التوهان في الطرق يمكن أن تكون علامة تحذير من وجود صعوبات أكثر وضوحًا وانتشارًا في المستقبل.
بالنظر إلى الارتباط التنبئي بين حالات التراجع في القدرة على تذكر الطريق والعنوان والخرف، فإن هناك حافز لتطوير واستخدام اختبارات موحدة للكشف عن أوجه القصور في أقرب وقت ممكن.
في الوقت الحالي، تحدد الأدبيات العلمية مناهج مختلفة، تتراوح من اختبارات القلم والورق والواقع الافتراضي، إلى التنقل في الحياة الواقعية، ولكن لا يوجد معيار مؤكد بشكل حاسم حتى الآن.
طلب المساعدة
ويختتم بومان قائلًا إنه في حين أن هفوات الذاكرة اليومية لا ينبغي أن تؤدي إلى القلق بشأنها دون داع، فإنه من الحكمة أن يطلب المرء مشورة طبيب عام أو متخصص، عندما يتكرر الأمر أو يصبح أكثر وضوحًا وثباتًا.
وبينما لا يوجد علاج حاليًا لمرض الزهايمر، فإن الاكتشاف المبكر سيسمح بالتخطيط للمستقبل ولإدارة أكثر استهدافًا للمشكلة وتقليل مخاطرها.