كيف يبدو مستقبل قطاع الكهرباء في المملكة؟

نبض البلد -

إعادة هيكلة NEPCO.. فرصة للإنقاذ أم عودة للمربع الأول؟

بلاسمة: تحرير السوق وفصل المهام بين النقل والتوليد والتوزيع يعزز استقلالNEPCO

العساف: الاعتماد على الغاز من جهة واحدة يهدد أمن الطاقة ويزيد كلفة الكهرباء

 

الأنباط – عمر الخطيب

 

تلعب شركة الكهرباء الوطنية الأردنية (NEPCO) دورًا أساسيًا في جهود تعزيز الأمن الطاقي والاستدامة المالية في الأردن، إلا أنها تواجه تحديات متنامية ناجمة عن هيكلها الاحتكاري الحالي والعجز المالي المتفاقم.

وتطرح خطة إصلاح قطاع الكهرباء جملة من التحولات الجوهرية، أبرزها الفصل الواضح بين مهام النقل والتوزيع والتوليد، إلى جانب إعادة هيكلة عقود التوليد، وتأسيس سوق جملة للكهرباء، وتحسين أدوات الرقابة الفنية. وتشمل الخطة كذلك خطوات مالية حاسمة مثل إعادة جدولة الديون. وإذا نُفّذت هذه التغييرات المؤسسية بحكمة، فقد تتحولNEPCO إلى رافعة اقتصادية تُمكّن من الانتقال نحو الطاقة النظيفة ضمن رؤية 2033.

وفي ظل التوترات الإقليمية المتزايدة، تشهد NEPCO تطورات متسارعة تعكس حجم التحديات التي تفرضها الأوضاع الجيوسياسية، حيث أكدت الشركة جاهزيتها لمواجهة أي انقطاع محتمل في إمدادات الغاز بفضل مخزون يكفي لعشرين يومًا، رغم أن ذلك يرفع كلفة التشغيل اليومية عند اللجوء إلى الوقود البديل. كما تعمل الشركة على توسيع الربط الكهربائي مع العراق، وتعزيز البنية التحتية للشبكة بدعم أوروبي، بالتزامن مع اتفاق مع مصر يتيح استيراد الغاز المسال حتى عام 2026.

 

أبرز التحديات الاقتصادية

وفي هذا السياق، أكّد الدكتور غازي عساف أن اعتماد الأردن على استيراد أكثر من 80% من احتياجاته من الغاز، معظمها من الاحتلال الإسرائيلي بموجب اتفاقية 2020، يمثل أحد أبرز التحديات الاقتصادية التي يواجهها البلد، بسبب ضعف تنويع الشركاء. وبيّن أن هذا الوضع يحدّ من القدرة التفاوضية ويرفع تكلفة الفرصة البديلة، مشيرًا إلى أن هذا الاعتماد الأحادي يُخالف مبادئ أمن الطاقة التي تستوجب تنويع مصادر الإمداد، ما يجعل الأردن هشًّا في مواجهة التوترات الجيوسياسية.

وأوضح عساف أن هذا الخلل تجلّى بوضوح خلال انقطاع الغاز الناتج عن النزاع مع إيران، والذي أثر سلبًا على استقرار منظومة الطاقة، فضلًا عن أن احتكارNEPCO للسوق يسهم في رفع الكُلف على المستهلكين، حيث يفتقر النموذج الحالي للمنافسة الكفيلة بتحفيز خفض التكاليف، وتعزيز الاستثمار والابتكار، مما يبطئ من تبنّي التقنيات الحديثة ويُضعف كفاءة القطاع.

ومع هذا الواقع المتقلب، وغياب إصلاح جذري لبنية الشركة، يبقى السؤال مطروحًا: هل نواصل في ظل الخلل، أم نمتلك الجرأة لنسف النموذج القائم من جذوره؟

 

هيكلة قطاع الكهرباء

من جهته، أوضح خبير الطاقة الدكتور فراس بلاسمة أن الحكومة تسعى إلى إعادة هيكلة قطاع الكهرباء بهدف فصل المهام والصلاحيات بين الجهات المسؤولة عن النقل والتوزيع والتوليد والتجارة. وأشار إلى أن هذا المسار يسمح بتحرير السوق وفتح الباب أمام البيع المباشر للطاقة بين المنتجين والمستهلكين، بما يضمن في الوقت ذاته الاستقلال المالي والتشغيلي لشركة الكهرباء الوطنية.

وبيّن بلاسمة أن تحويل NEPCO إلى "مشغل شبكة نقل مستقل” يركّز فقط على إدارة الشبكة واستقرارها الفني، فيما تُناط مهام الشراء والتعاقد بشركات توليد مستقلة. ولفت إلى أن هذه الخطوة تواكب تحديثات فنية تشمل تطوير أنظمة مراقبة وتحكم ذكية (SCADA وEMS)، تدعم موثوقية الشبكة وتحسن إدارة الطاقة المتجددة والتخزين، إلى جانب تأسيس مركز وطني للتنبؤ الفوري بالطلب والإنتاج.

وأضاف أن إعادة الهيكلة تهدف إلى تقليل الاعتماد على مصدر وحيد للغاز، وتعزيز مرونة التوليد والتخزين، وربط محطات الغاز والطاقة المتجددة ضمن شبكة موحدة، بما يعزز الشفافية ويكرّس حوكمة جديدة قادرة على مواجهة تحديات أمن الطاقة.

وعلى المستوى القانوني والتنظيمي، أشار بلاسمة إلى أن إعادة هيكلة قطاع الكهرباء تتطلب تعديلات على قانون الكهرباء، لفصل ملكية ووظائف شركات النقل والتوليد والتوزيع، وفتح السوق أمام منافسين جدد. كما شدّد على ضرورة إعادة التفاوض على عقود التوليد لتحويلها إلى نظام "ادفع عند التوليد” بدلاً من "خذ أو ادفع”، مع إدراج مراجعات دورية لتلك العقود، موضحًا أن الإصلاحات تتطلب كذلك وضع نظام حوكمة مستقل لشركةNEPCO يضمن إدارة مهنية بعيدة عن التأثيرات الحكومية.

وفيما يخص الإصلاح الإداري والمالي في القطاع، أكد بلاسمة أهمية إعادة هيكلة الموارد البشرية من خلال نقل بعض الكوادر إلى كيانات جديدة مثل شركة الغاز أو مشغّل السوق، والتركيز على تدريب الموظفين للعمل في بيئة تنافسية. وأشار إلى أن الجانب المالي يشمل خيار إعادة جدولة ديون NEPCO المتراكمة، بالإضافة إلى استخدام أدوات تمويل جديدة مثل الصكوك الخضراء وسندات الطاقة لدعم مشاريع التحول.

كما كشف بلاسمة عن العمل على تأسيس وحدة متخصصة لإدارة المخاطر والطوارئ، تكون قادرة على تقييم التهديدات مثل انقطاع الوقود أو تعطل الربط الإقليمي، ووضع خطط استجابة مرنة تضمن أمن التزويد.

أما على المستوى الاستراتيجي، فأوضح بلاسمة أن الخطة تتضمن إنشاء سوق أردني للكهرباء يتيح التبادل الفوري واليومي للطاقة بين المنتجين والمستهلكين الكبار، بما يعزز المنافسة ويخفض الكُلف. كما يقترح فصل مهمة استيراد الغاز عنNEPCO عبر تأسيس شركة وطنية مستقلة لتوريد الغاز، بحيث تتحمل شركات التوليد مسؤولية تأمين الوقود بنفسها بالتوازي.

واختتم بلاسمة بالإشارة إلى أن الخطة تشمل تمكينNEPCO من التوسع في الربط الإقليمي من خلال تطوير شبكة ذكية وتوقيع اتفاقيات مرنة مع دول الجوار، ما يدعم استقرار النظام الكهربائي ويعزز أمن التزويد.