إصلاحات سوق السيارات.. من المستفيد الحقيقي؟

نبض البلد -

الحياري: حظر أنماط من المركبات يؤثر بشكل مباشر على الحركة التجارية في السوق

الحيت: القرار الحكومي إيجابي للوهلة الأولى لكن الواقع مختلف تمامًا

جمعية وكلاء السيارات: القرارات تمثل إصلاحًا هيكليًا حقيقيًا

مواطنون: القرارات الحكومية خطوة طال انتظارها لكنها ليست كافية

الأنباط – عمر الخطيب

في إطار برنامج التحديث الاقتصادي، يمضي مجلس الوزراء في تنفيذ حزمة من الإصلاحات التي تستهدف إعادة هيكلة الضرائب والرسوم، ومعالجة التشوهات المتراكمة في قطاع السيارات.
ويأتي القرار الحكومي الأخير ليعكس توجه الدولة نحو إصلاحات تنظيمية وهيكلية شاملة، ترمي إلى تحفيز السوق، وضمان جودة المركبات المستوردة وفق أعلى المواصفات، مع السعي لتخفيف الأعباء عن المواطنين وتعزيز استقرار الاقتصاد الوطني.
وأقر المجلس خفض الضرائب والرسوم على المركبات ضمن حزمة إصلاحية واسعة، تمثلت في تقليص الضريبة الإجمالية على سيارات البنزين من 71% إلى 51% (بنسبة انخفاض بلغت 28%)، وعلى السيارات الهجينة (الهايبرد) من 60% إلى 39% (بانخفاض نسبته 35%)، كما تم توحيد ضريبة السيارات الكهربائية عند 27% لجميع الفئات، بعدما كانت تصل في بعض الحالات إلى 55%. وشملت القرارات أيضًا تخفيض الرسوم الجمركية على السكوترات والدراجات من 45% إلى 33% (بانخفاض نسبته 26%).
لكن رغم ما تحمله هذه الخطوة من أبعاد إصلاحية، إلا أنها أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط التجارية والصناعية. فبينما يرى البعض أن هذه التعديلات تشكل نقلة نوعية تنظم السوق وتحمي المستهلك وتفتح المجال أمام فرص استثمارية جديدة، يحذر آخرون من أن بعض بنود القرار قد تُلحق ضررًا بقطاع واسع من التجار والصناعيين، وتفرض تحديات إضافية على المواطن محدود الدخل.
وفي هذا السياق، طالب عدد من تجار وصناعيي المنطقة الحرة بإعادة النظر في بند "حصر المواصفات"، والدعوة إلى اعتماد معايير فنية دقيقة لفحص المركبات بدلًا من الحظر المطلق. وشددوا على أهمية استمرار دور مؤسسة المواصفات والمقاييس كضامن للسلامة العامة، بما يحقق التوازن المطلوب بين حماية المستهلك وضمان حرية السوق واستمرارية عمل آلاف الأسر المعتمدة على هذا القطاع.
ويبقى السؤال الأكبر مطروحًا، فمن هو المستفيد الأكبر من هذه القرارات؟ فهل هو المواطن الباحث عن سيارة بجودة وسعر مناسبين؟ أم وكلاء السيارات الكبار الذين ضمنوا حصصًا ثابتة في سوق آخذ بالتنظيم؟ أم تجار المنطقة الحرة الذين يترقبون تعديلات تُنصفهم وتحمي مصالحهم؟

ارتفاع كلفة الشراء
وأوضح التاجر حمزة الحياري، أحد العاملين في قطاع السيارات بالمنطقة الحرة، أن السيارات الأمريكية المتضررة كانت تشكل خيارًا عمليًا واقتصاديًا للمواطن الأردني منذ بدء استيرادها عام 2005، حيث تُستورد بعدادات قليلة وتُصلّح محليًا بكفاءة.
وقال الحياري "هذا النمط أثبت فعاليته لسنوات، ولم يُسجل أي أثر سلبي حقيقي على المجتمع، بل على العكس، أتاح للمواطن امتلاك سيارة بأسعار معقولة، مع الحفاظ على هامش ربح معقول للتاجر، وموارد ثابتة لخزينة الدولة".
وأشار الحياري إلى أن اشتراط استيراد سيارات "غير متضررة" (Clean Title) ضمن القرار الأخير، أدى إلى ارتفاع كبير في كلفة الشراء من المزادات العالمية، كون هذه السيارات نادرة ومرتفعة الثمن بطبيعتها. وبيّن أن النتيجة النهائية أن "المواطن لا يزال يدفع نفس السعر تقريبًا، إن لم يكن أكثر، ولكن الفرق أن الرسوم التي كانت تدخل خزينة الدولة أصبحت الآن تذهب مباشرة إلى السوق الأمريكية".

إهمال لفروقات التصنيف الأمريكي
وانتقد الحياري ما وصفه بـ"تعميم القرار دون مراعاة الفروقات في تصنيفات الضرر بين الولايات الأمريكية"، موضحًا أن بعض الولايات، مثل فلوريدا، تُصنف المركبة كـ"جنك" حتى لو كان الضرر بسيطًا، بينما قد تُدرج في كاليفورنيا تحت تصنيف "سالفج" لمجرد وجود مطالبة تأمين.
وأضاف: "هذا القرار حرم السوق من المصدر الرئيسي للسيارات المستعملة، وتسبب بتوقف مئات الورش ومحال التصليح، وأثر بشكل مباشر على أكثر من عشرة آلاف عائلة تعتمد على هذا القطاع كمصدر دخل".

شروط استيراد السيارات الكهربائية تعيق الانتقال للطاقة النظيفة
وفيما يتعلق بالسيارات الكهربائية، أوضح الحياري أن القرار الحكومي الذي حدد عمر المركبة المستوردة بثلاث سنوات كحد أقصى، زاد من تعقيد المشهد، مبينًا أن "كوريا الجنوبية – المصدر الأساسي سابقًا – لا تُصدر مركبات كهربائية بهذه المواصفات، بينما تأتي السيارات الأوروبية بأسعار باهظة، ولا تتوافر سيارات كهربائية مستعملة تقريبًا في أسواق الخليج".
ولفت إلى أن "النتيجة هي تراجع فرص المواطن الأردني في اقتناء سيارة كهربائية أو هجينة بأسعار مقبولة، في وقت تتجه فيه معظم دول العالم نحو دعم هذا النوع من المركبات لتقليل فاتورة الطاقة".

منع السيارات الصينية.. هل يُقيَّد خيار المستهلك؟
كما تطرق الحياري إلى قضية منع دخول السيارات الصينية إلى السوق الأردني، بدعوى "عدم مطابقتها للمواصفات"، رغم أنها سيارات حديثة، مزودة بتقنيات متقدمة وأسعارها تنافسية. وقال: "هذا القرار فُسّر على نطاق واسع بأنه لحماية مصالح بعض الوكالات الحصرية، على حساب حق المستهلك في الحصول على خيارات متنوعة ضمن سوق مفتوح وتنافسي".
وختم بالقول إن قرارات الحظر المتعددة على أنماط مختلفة من المركبات أثرت بشكل مباشر على الحركة التجارية في السوق، وأضعفت قدرة المواطن على اتخاذ قرارات شرائية تتناسب مع دخله، متسائلًا: "هل المطلوب فعلًا إصلاح السوق أم تضييق مساحته؟".

قرار إيجابي للوهلة الأولى.. ولكن
من جهته، قال التاجر وليد الحيت، من المنطقة الحرة، إن القرار الحكومي الذي جرى تسويقه على أنه خفض للرسوم الجمركية من 40% إلى 27%، بدا إيجابيًا للوهلة الأولى، لكن الواقع مختلف تمامًا.
وأوضح: "نسبة الـ40% لم تكن تُطبّق فعليًا، بل كانت موزعة على سنوات لاحقة، أما النسبة الحقيقية التي كانت تُطبق فهي 30%، وبالتالي التخفيض الفعلي لا يتجاوز 3%، أي نحو 800 دينار في الحد الأقصى".
وأضاف الحيت أن هذا التخفيض الطفيف رافقه في المقابل رفعٌ في الجمرك على السيارات التي تقل قيمتها عن 10 آلاف دينار بنسبة 17%، مما أدى إلى زيادة متوسطة بنحو 15% على أسعار السيارات المستعملة عمومًا، أي أن القرار لم يحقق خفضًا فعليًا، بل أدى إلى رفع تدريجي غير معلن في التكلفة على المواطن.

حصر الاستيراد وغياب البدائل
وأشار الحيت إلى أن الجانب الأكثر إرباكًا في القرار تمثل في حصر الاستيراد بالمركبات ذات المواصفات الأمريكية والأوروبية والخليجية فقط، مع استبعاد السيارات الصينية والكورية التي شكلت خيارًا اقتصاديًا مهمًا لشرائح واسعة من الأردنيين.
وأكد أن "السيارات الصينية، المعتمدة حاليًا في 13 دولة عالمية بعد اجتيازها اختبارات السلامة بجدارة، كانت تمثل حلًا واقعيًا للأسواق الناشئة"، مضيفًا أن الاستثناء المتعمد لهذه السيارات يصبّ في مصلحة الوكلاء الحصريين ويثير تساؤلات حول حجم الضغط الذي مارسته هذه الجهات على صانع القرار، مقابل تجاهل مصالح أكثر من 2700 تاجر في المنطقة الحرة.

أرقام صادمة: الأسعار ترتفع والخزينة تخسر
وحذّر الحيت من أن هذا التوجه يرفع أسعار السيارات المستعملة إلى مستويات غير مسبوقة. واستشهد بمثال سيارة "ID.4" الكهربائية، التي تُباع في الأردن بين 22 إلى 24 ألف دينار، بينما يتجاوز سعرها في السوق الألمانية – كمركبة مستعملة – حاجز 44 ألف يورو. وقال: "المواطن الأردني بات مهددًا بدفع أضعاف السعر الحقيقي، دون أي مبرر منطقي سوى تغييب البدائل".
وأوضح الحيت أن القرار لم يمس المواطن فقط، بل أثر على إيرادات الدولة أيضًا، لافتًا إلى أن المنطقة الحرة ترفد خزينة الدولة بـ92% من إيرادات قطاع السيارات، في حين لا يتجاوز نصيب الوكلاء 8%. وأضاف: "إضعاف المنطقة الحرة لا يعني فقط خنق 200 ألف مواطن يعيلهم هذا القطاع، بل يعني أيضًا تراجع إيرادات الجمارك نفسها التي تعتمد بشكل كبير على هذه السوق الحرة والمفتوحة".

جمعية وكلاء وموزعي السيارات
من جهتها، أعلنت جمعية وكلاء وموزعي السيارات الأردنيين ترحيبها الكامل بالتعديلات التي شملت تخفيض الضرائب وتحديد مواصفات الاستيراد وفق المعايير الأوروبية والأمريكية والخليجية.
واعتبرت الجمعية في بيان رسمي أن القرارات "تمثل إصلاحًا هيكليًا حقيقيًا يهدف إلى تخفيف الأعباء المالية عن المواطنين، وتعزيز الثقة بالسوق المحلية، وتشجيع الاستثمارات الجديدة، وخلق فرص عمل في القطاع".
وأكد رئيس الجمعية، محمد عليان، أن الإجراءات الأخيرة تعكس "رؤية اقتصادية متكاملة تدعم الاستقرار والنمو وتحفز التنمية المستدامة"، مشيرًا إلى أن تشديد المواصفات من شأنه حماية السوق والمستهلك في آنٍ معًا.

مواطنون: خطوة طال انتظارها لكنها ليست كافية
من جانبهم، أبدى عدد من المواطنين تأييدهم للقرار، معتبرين أنه "خطوة طال انتظارها"، في ظل الضرائب المرتفعة التي لطالما أثقلت كاهل من يرغب بشراء سيارة جديدة. وقال أحدهم: "الضرائب في الأردن كانت من الأعلى في المنطقة، والآن مع التخفيض، بدأت أفكر فعلًا بتغيير سيارتي القديمة، خصوصًا أن أسعار البنزين والهايبرد أصبحت أكثر معقولية، وهناك توقعات بعروض منافسة وتحرك في السوق".
وبين مواطن آخر أن هذا القرار سيعيد بعض التوازن للسوق، ويمنح شريحة واسعة فرصة اقتناء سيارات جديدة بدلًا من صيانة المستعملة التي تكلف كثيرًا المدى البعيد.

القلق يسيطر على أصحاب السيارات المستعملة
في المقابل، أعرب مواطنون آخرون عن قلقهم من الآثار الجانبية للقرار، خصوصًا فيما يتعلق بقيمة السيارات المستعملة الموجودة حاليًا في السوق. وقال أحدهم: "القرار يبدو ظاهريًا لصالح المواطن، لكن في الواقع سيؤدي إلى تراجع كبير في أسعار السيارات المستعملة، ما يعني أن من اشترى سيارته بسعر مرتفع سابقًا سيخسر الكثير إذا أراد بيعها الآن".
وأشار مواطن آخر إلى أن "رغم التخفيض المعلن، إلا أن أسعار السيارات الجديدة قد لا تنخفض فعليًا بسبب الشروط الجديدة على المواصفات، ما يجعل الفارق النهائي في السعر ضئيلًا، وغير متناسب مع حجم الدعاية التي رافقت القرار".