أبو ديه: تحركات مؤشرات أسهم الكيان الإسرائيلي وأداء العُملة خلال الحرب مُرتب لها
بيايضة: الكيان يحظى بدعم اقتصادي غربي لا محدود وإيران في عُزلة دولية تقلص من إمدادات الدولار
الأنباط – مي الكردي
في خضم التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران، بدا أن الاقتصاد لم يكن مجرد ضحية جانبية للحرب، بل ساحة مواجهة قائمة بحد ذاتها. ففي الوقت الذي واصلت فيه إسرائيل تنفيذ عملياتها العسكرية، أظهرت مؤشرات بورصة تل أبيب وأداء الشيكل الإسرائيلي تحركات مغايرة للمنطق التقليدي في أوقات النزاعات.
ووفقًا لموقع "غلوبس”، فقد سجّل مؤشر "تل أبيب 125” ارتفاعًا تراكميًا بنسبة 7% منذ بدء الهجوم على إيران في 13 حزيران، ليُصنّف من بين الأفضل أداءً عالميًا خلال العام الجاري، متفوقًا على مؤشر "ستاندرد آند بورز 500” الأميركي الذي حقق أقل من 2% خلال نفس الفترة.
وبالتزامن، ضخّ بنك إسرائيل 8 مليارات دولار في السوق لدعم الشيكل ضمن خطة شاملة بقيمة 30 مليار دولار، ما أسهم في الحفاظ على استقرار العملة رغم التصعيد.
على الجانب الآخر، لجأت إيران إلى إجراءات مشددة عبر وقف عمل مكاتب الصرافة ومنصات التداول الإلكتروني للذهب، في محاولة لتقييد الخسائر، لكن الريال الإيراني واصل التراجع، مسجلًا انخفاضًا بنسبة 12% مقابل اليورو، بحسب "وكالة الأنباء الألمانية”.
معلومات استخباراتية قادت السوق.. و”شيكل مدعوم”
ويرى الخبير الاقتصادي منير أبو ديه أن ما شهدته سوق المال الإسرائيلية لم يكن تحركًا عفويًا، بل نتيجة معلومات مُسبقة وصلت لكبار المستثمرين في قطاعات البنوك والعقارات والتأمين، تشير إلى أن الضربة الإسرائيلية ضد إيران ستكون ناجحة في استهداف المنظومة العسكرية والنووية.
وأوضح أبو ديه أن هذه المعلومات دفعت المستثمرين إلى ضخ السيولة لرفع الشيكل، ما خالف النمط الاقتصادي التقليدي الذي يشهد عادةً تراجعًا للعملة والأسهم في وقت الحرب، كما حدث خلال الحرب مع غزة ولبنان في السابع من أكتوبر.
وأشار إلى أن قطاعات رئيسية في إسرائيل، مثل البنوك والتأمين والعقارات، حققت مكاسب ملحوظة في الأيام الأولى للحرب، بفضل دعم داخلي وخارجي مُنسق، مؤكدًا وجود توافق بين المستثمرين الإسرائيليين في الداخل والخارج على ضرورة إنهاء الملف النووي الإيراني.
وأضاف أن التدخلات لدعم الشيكل ورفع البورصة كانت "مقصودة ومنسقة”، بهدف رفع معنويات المستثمرين وتعزيز الثقة في السوق المالية، قبل أن تبدأ مخاوف الاستقرار بالظهور مع الرد الصاروخي الإيراني واتضاح عدم تحقيق إسرائيل لكامل أهدافها العسكرية.
الرد الإيراني أربك المخطط الإسرائيلي
ويُشير أبو ديه إلى أن الهدف الاستراتيجي للضربة كان خلق انهيار داخلي سريع في إيران، لكن الرد الإيراني المفاجئ والمتنوع في نوعيته وحجمه أربك إسرائيل، وترك أثرًا سلبيًا على معنويات المستثمرين.
وأوضح أن الضربات الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية لم تحقق أهدافها بالكامل، ما يزيد احتمالية تسجيل الاقتصاد الإسرائيلي خسائر أعمق مع مرور الوقت.
ونوّه إلى أن الأداء القوي للأسواق الإسرائيلية سبقه تنسيق نقدي مسبق، حيث تم ضخ السيولة المالية لتعزيز الشيكل واستباق موجات القلق، لافتًا إلى أن القيمة السوقية لبورصة تل أبيب تُقدّر بنحو 600 مليار دولار.
بيايضة: الدعم الغربي يقي إسرائيل من الانهيار
من جهته، أوضح البروفيسور وائل بيايضة من جامعة أكسفورد، أن تدخل بنك إسرائيل عبر ضخ 8.5 مليار دولار لحماية الشيكل منذ أكتوبر الماضي، وتكرار ذلك خلال الحرب مع إيران، ساعد في تفادي الانهيار النقدي.
وبيّن أن الدعم الغربي غير المحدود – سياسيًا وماليًا – من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، شكّل شبكة أمان للاقتصاد الإسرائيلي، وساهم في الحفاظ على تدفق العملات الأجنبية رغم تراجع قطاع التكنولوجيا بنسبة 44%.
وأوضح أن هذا القطاع لا يزال يُمثّل نصف الصادرات الإسرائيلية، ويعد مصدرًا أساسيًا للعملة الصعبة.
وأشار بيايضة إلى أن إسرائيل لجأت إلى سياسات مالية صارمة، شملت رفع أسعار الفائدة وتقليص الإنفاق في قطاعات مدنية كالصحة والتعليم، بهدف تعويض تكاليف الحرب والحد من الضغط على الشيكل.
الريال الإيراني.. انهيار في ظل العقوبات
في المقابل، أرجع بيايضة الانهيار المتسارع للريال الإيراني إلى العقوبات الأميركية والأوروبية، التي اشتدت منذ عودة دونالد ترامب إلى السلطة، حيث فرضت واشنطن أربع مراحل من العقوبات على صادرات النفط الإيراني، ما قلّص قدرة طهران على جلب العملات الأجنبية.
ولفت إلى أن التضخم في إيران بلغ نحو 40%، وسط ضعف في الاحتياطيات الأجنبية، وهو ما أدى إلى هروب المواطنين نحو الذهب والدولار، وتسبّب في نزوح جماعي للاستثمارات.
وأشار إلى أن بيع النفط الإيراني يجري اليوم بخصومات تصل إلى 30% عبر قنوات غير رسمية، مع ذهاب جزء كبير من العائدات لتمويل ميليشيات خارجية بدل دعم الاقتصاد المحلي.
تكاليف باهظة لإسرائيل.. وانهيار متسارع لإيران
وأكد بيايضة أن تكلفة الحرب اليومية على إسرائيل بلغت نحو 725 مليون دولار، تتوزع بين الهجمات (593 مليون) والدفاع الجوي (132 مليون)، ما أدى إلى تراجع النمو الاقتصادي من 4.3% إلى 3.6%.
كما تضررت قطاعات الزراعة والبناء نتيجة تجنيد 450 ألف جندي احتياط، فيما تسبب قصف مصفاة "بازان” بخسائر يومية بلغت 3 ملايين دولار، إلى جانب إغلاق مطار بن غوريون.
أما إيران، فقد خسرت 15% من قيمة عملتها في أيام قليلة، وتضررت منشآتها النووية وحقول الغاز "بارس الجنوبي”، في ظل ارتفاع نفقاتها العسكرية وتراجع صادراتها النفطية.
خلاصة المشهد الاقتصادي
ويخلص بيايضة إلى أن إسرائيل، رغم الخسائر المالية الكبيرة، تمكنت من إدارة الأزمة بفضل الدعم الغربي والتدخلات النقدية. بينما تواجه إيران عزلة دولية خانقة، وتضخمًا متفشيًا، وانهيارًا شبه كلي في اقتصادها نتيجة العقوبات واستنزاف الموارد.