تصريحات بلينكن: توقيت غريب وجوهر مهم

نبض البلد -
حاتم النعيمات
في تصريحات لافتة أدلى بها وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن، حيث كشف من خلالها عن أن وزارة الخارجية الأمريكية تمتلك خطة وتصور لما بعد انتهاء الحرب على غزة. والمُلفت في الأمر هو توقيت طرح هذه الخطة، فالوزير بلينكن ستنتهي ولايته بعد أيام، والأصل أنه قام بطرح هذه الخطة في وقت مبكر أكثر من عُمر العدوان على غزة.
تتحدث الخطة عن تولي السلطة الفلسطينية إدارة غزة مع وجود للأمم المتحدة وأطراف دولية بعد انتهاء الحرب. وفي سياق حديثه، تطرق بلينكن أيضًا إلى حل الدولتين كامتداد للهدنة أو وقف الحرب في غزة. هذا الطرح يُعد مغايرًا لما يتحدث به أغلب السياسيين في المنطقة والعالم. فأفعال اليمين المتطرف في اسرائيل لا تعطي انطباعًا بذلك.

لا يمكن اعتبار الخطة التي تحدث عنها بلينكن إلا انعكاسًا لطريقة عمل الدولة الأميركية المؤسسي، فطرح الخطة في هذا التوقيت يؤكد وجود أمل كبير في أن تتبنى إدارة ترامب الخطة وقد صرح بلينكن بذلك بشكل واضح حيث قال: نأمل من الإدارة الحديدة أن تتبنى هذه الخطة. وقد يقول قائل إن ترامب ومعظم فريقه محسوبون على اليمين الأميركي الذي يدعم إسرائيل بشكل قوي، وهذا صحيح، لكن الدولة الأميركية هي دولة مؤسسات مختلفة ربما عن بقية دول العالم وسأورد هنا بعض الأمثلة التي تثبت أن السياسة الأمريكية عابرة للرؤساء في معظم الأحيان.

لنتذكر أن قرار الانسحاب الأميركي من العراق أقرّه أوباما في 2011 وباركه ترامب لاحقًا، وأن قرار الانسحاب من أفغانستان أقرّه ترامب ونفذه بايدن. وحتى مشروع الربيع العربي كان في سياق قرارات مدروسة داخل المؤسسات الأميركية وتناوبت عليه عدة إدارات جمهورية وديموقراطية. ولنتذكر أن ترامب مثلاً طرح فكرة الانسحاب من سوريا، لكن ذلك لم يحدث. والمثال الأوضح سياسيًا هو صفقة القرن التي اقترحها ترامب في ولايته الأولى ولم تُنفذ لأن المؤسسات الأميركية لم تكن داعمة لها. وفي ملف أوكرانيا، من المستبعد أن يقدم ترامب حلاً سحريًا رغم تصريحاته بالتالي قد يكون التعامل مع الملف كما هو الآن مع تغييرات بسيطة.

في لقاء مطول للصحفي الأميركي الشهير تاكر كارلسون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قال بوتين صراحة إن توجهات الرئيس الأميركي ليست الفيصل في المعادلة الأميركية. وأشار إلى مثال ذكر فيه أنه أقنع بعض رؤساء أميركا بأمور معينة، ليعود الرئيس المعني بعد ذلك وقد غيّر رأيه. باختصار، ترامب وطاقمه ليسوا كل القصة، ولكن التأهب، بدون شك، واجب علينا.

في المقابل، تعتمد الإدارة الإسرائيلية على المراجعة والدراسة بعد كل حدث. وبالتالي، من المحتمل صعود تيار داخل إسرائيل يرغب في السلام مع الفلسطينيين بصيغة ما، لأن ما حدث على يد اليمين المتطرف لن يمر مرور الكرام. ولنتذكر لجنة التحقيق التي شُكلت بعد حرب لبنان 2006 وما تبعها من تغييرات سياسية.

لست هنا لبث الاطمئنان بشأن المستقبل في هذه المنطقة المجنونة، لكن في المقابل فجوهر الموقف الأميركي غالبًا ليس كما يبدو أو كما يعتقد البعض. المؤسسات داخل الإدارة الأميركية ومراكز القوى هناك لها تأثير كبير. والدولة الأردنية تدرك جيدًا هذه الخصوصية في النظام الأميركي، ولذلك أسس جلالة الملك عبد الله الثاني علاقات ممتازة مع كافة أركان الدولة الأميركية، وليس فقط مع البيت الأبيض.

ربما تكون البيئة مناسبة الآن لطرح عنوان الدولة الفلسطينية، على عكس ما يعتقد البعض. وربما نرى ترامب يسعى لذلك، أو على الأقل نرى من يعطّل خطط ترامب في فلسطين. ومن يحتج بقرارات مثل نقل السفارة إلى القدس أو الاعتراف بالجولان، فعليه أن يدرك وزن هذه القرارات التي لم تغير شيئًا في الواقع. والدليل على ذلك حديث بلينكن الأخير.

الأردن لديه مهمة صعبة بلا شك في الأيام القادمة. لذلك، يجب استغلال طرح خطة بلينكن واستخدامها كمنطلق للحركة. وأهم ما يمكن فعله في هذه الحالة هو وضع مصالح أميركا مع الدول العربية على الطاولة "بالجملة”، وليس بشكل فردي لكل دولة.

القادم يحتاج لليقظة لكن كواليس السياسة تلعب دورًا مهمًا في انتاج أي مشهد سياسي، والمطلوب من الأردنيين دعم موقف الدولة الأردنية الرامي إلى قيام دولة فلسطينية كحل وحيد يحفظ للأردن أمانه الاستراتيجي ويؤسس للفلسطينيين طريقهم لتحرير بلدهم.