الإستثمار في زمن كورونا و شركات رأس المال المغامر Venture Capital
بقلم المحامي الدكتور سليمان ابو عتمة
منذ ان اجتاح فيروس كورونا العالم بشكل عام والأردن بشكل خاص توقفت جميع القطاعات الاقتصادية والصناعية والخدماتية عن العمل بشكل كلي أو جزئي وتراجع الإستثمار والتزم الاف العمال منازلهم وتوقفوا عن العمل حفاظا على صحتهم الشخصية بشكل خاص وصحة المجتمع بشكل عام، واغلقت عدد من الشركات مشاريعها وتخلت عن موظفيها مما ادى إلى إرتفاع نسبة البطالة.
ونتيجة الركود الاقتصادي الذي يمر به الاردن منذ سنين ولجوء القطاعات التجارية والصناعية والخدماتية الى الاقتراض من البنوك والمؤسسات المالية التي تحتاج إلى ضمانات منها الكفالات الشخصية والرهن التأميني العقاري، ورغم الصعوبات التي واجهتها نتيجة فيروس كورونا وتبعاته الاقتصادية، فهي ملزمة بتسديد اقساط القروض بتاريخ استحقاقها و/او جدولة قروضها مقابل تحملها فوائد ومصاريف اعادة جدولة القروض، مما رتب عليها إلتزامات مالية إضافية، أدى ذلك إلى ضعف قدرتها على العمل، ونتج عنه شح السيولة وعجزها او توقفها عن تسديد التزاماتها المالية، فوجدت تلك القطاعات انها امام خيارين:
1) التوقف عن العمل وتسريح العمال واغلاق المشاريع واشهار افلاسها وتصفية الشركات
2) البحث عن حلول تمويلية اخرى لكي تستمر بعملها
وبنفس الوقت برز دور تكنولوجيا المعلومات فالعالم تحول للعمل عن بعد وتقديم الخدمات الالكترونية وتحول الحكومة إلى حكومة الكترونية لا ورقية بسبب سرعة انتشار فيروس كورونا بتبادل الورق بين الناس، والاكتظاظ بين الناس وضرورة التباعد الإجتماعي، وبرز التعليم عن بعد في الجامعات والمدارس، وكذلك التوجه لاستخدام الدفع الإلكتروني مقابل التعامل بالنقود الورقية، والتوجه للشراء الإلكتروني On Line، وإستخدام التطبيقات الذكية للتنقل وشراء المواد الغذائية وغيرها وطلب وجبات الطعام من المطاعم، فأنشئت مئات التطبيقات الالكترونية ومنها تطبيق الصحية وأهمها تطبيق آمان للكشف عن المصابين بفيروس كورونا بسواعد الشباب الأردني.
ولكن هذه الشركات المتعثرة والآف الافكار والتطبيقات تحتاج إلى تمويل للخروج إلى حيز الوجود، فهي لا تسطيع اللجوء للتمويل العادي كالقروض من البنوك والمؤسسات المالية لصعوبة شروطها وعدم توافر الضمانات لديها.
وهنا يبرز دور(Venture capital) والترجمة العربية "رأس المال المخاطر" أخذت بها كثير من الدول وتبنتها بهذا الإسم، ثم ترجم رأس المال المخاطر إلى عدة مصطلحات أخرى مثل : رأس المال المغامر، رأس مال الخطر، رأس المال المجازف، رأس المال الجريء، رأس مال المخاطرة، رأس المال المبادر.
وتعتبر تقنية التمويل عن طريق شركات رأس المال المغامر من أهم الأساليب المستحدثة في التمويل، إذ أن هذه التقنية لا تعتمد على تقديم السيولة فقط للمؤسسات كما هو الحال بالنسبة للتمويل المصرفي بل تقوم على أساس المشاركة في المال والإدارة.
فشركة رأس المال المغامر تقوم بتمويل المشروع دون ضمان العائد ولا مبلغه وبذلك فهي تخاطر بأموالها، وبالتالي فهذا النوع من التمويل يتناسب تماماً مع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الجديدة والناشئة والتي تطمح للتوسع وتواجه صعوبات في هذا المجال لعدم حصولها على القروض المصرفية بسبب غياب الضمانات اللازمة.
ويكون الإستثمار من خلال رأس المال المغامر في الأفكار وهو المرحلة الأولى للإستثمار وقد يأتي بأشكال مختلفة، ويقع الإختيار في هذه المرحلة على الأفكار الجديدة والتي لم تطرح في السوق من قبل للإستثمار فيها، ويستخدم رأس المال المغامر لتطوير منتجات المنشأة والتسويق أو البدء في المبيعات الأولية، وقد يأتي الإستثمار في مراحل متقدمة لمنشأت قد بدأت التشغيل الفعلي ولكنها لم تصل لمرحلة تحقيق الأرباح ويكون الغرض من الإستثمار في هذه المرحلة هو تقديم دعم مادي يسمح للمنشأة بالتوسع وتحقيق نمو ونجاح حقيقي.
وهذا النوع من الإستثمار قائم على أساس البحث عن مشاريع إستثمارية والتي من المتوقع أن يكون لها مستقبل ناجح ويحقق عوائد ربحية مستقبلية جيدة أو من خلال تبني أفكار ريادية وإبداعية يمكن من خلال تبنيها ترجمتها إلى مشاريع تجارية ذات عائد ربحي حيث تقوم الشركات المستثمرة بهذا النوع الدخول كشريك في المشروع ( الشركة ) ضمن مباديء معينة وبعد مدة زمنية معينة تقوم بالخروج من المشروع واسترداد ما دفعته بالإضافة الى ربح معين، ومن اشهر الامثلة على بعض شركات رأس المال المغامر كل من: (Google) و (Facebook) و (Intel) و (Cisco) و (Amazon) و (Microsoft) و (apple).
ويهدف رأس المال المغامر إلى تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي لا تملك الضمانات الكافية للحصول على التمويل والقروض من البنوك والمؤسسات المالية والتي يتوقع أن تجني هامش ربح مرتفع، مقابل درجة مخاطرة مرتفعة، ويعتبر رأس المال المغامر آلية لتمويل المشاريع الإستثمارية التي غالباً ما تتميز بدرجة مخاطرة مرتفعة وعدم امتلاكها للضمانات الكافية للحصول على التمويل التقليدي، تقابلها عوائد مرتفعة لأنها غالباً ما تتمثل في أفكار، تقنيات أو تكنولوجيا جديدة يمكن أن تحقق أرباح طائلة في حالة نجاحها، أو إعادة هيكلة لشركات قائمة لا تستطيع الحصول على القروض البنكية
ويبرز الاستثمار المغامر في أثناء جائحة فيروس كورونا في ثلاثة أنواع هي:
1. نوع من الشركات لديها نمو مطرد كتطبيقات التوصيل واللوجيستيات والتعليم والعمل عن بُعد.
2. نوع من شركات لديها تشغيل عالٍ مدعوم بفريق عمل مميز لكنها مرتبطة بالتباعد الاجتماعي فقررت التحول كبعض مشروعات التجارة الإلكترونية التي لجأت إلى تغيير نوع السلع أو الخدمة المقدمة وفقاً للأزمة الجارية.
3. نوع من الشركات تأثرت لجمود نموذج العمل لديها.
وشركات رأس المال المغامر تم إقرارها حديثاً في التشريع الأردني بموجب القانون رقم (34) لسنة (2017) قانون معدل لقانون الشركات ونصت المادة (7/و/2) من قانون الشركات الأردني على: "تسجل شركات راس المال المغامر، لدى المراقب في سجل خاص يسمى ( سجل شركات رأس المال المغامر)، وتنظم أحكام هذه الشركات ورأسمالها، وأعمالها وأسلوب إدارتها، وتوزيع أرباحها، وشطبها، وتصفيتها بموجب نظام يصدر لهذه الغاية"، وصدر نظام شركات رأس المال المغامر رقم (143) لسنة (2018) بتاريخ (28/11/2018) ونشر بالجريدة الرسمية بتاريخ (27/12/2018)
أن ما يميز فرصة الاستثمار الآن في ظل جائحة فيروس كورونا أن التقنية أثبتت أهميتها؛ فلننظر كيف يدرس أبناؤنا اليوم، وكيف نحصل على العلاج، أو كيف نجتمع الآن وعقد الإجتماعات، أو كيف نتسوق، والعمل عن بعد من قبل الموظفين، فالتقنية لعبت دورا رئيسيا لاستمرارية الأعمال لا سيما في في ظل الوضع الراهن ومع انتشار فيروس كورونا وبات يقيناُ ان التقنية هي الحل.
فهل تلعب شركات رأس المال المغامر دور مؤثر في الأردن في ظل جائحة فيروس كورونا وتقديم التمويل للشركات الصناعية والتجارية والخدماتية للاستمرار في اعمالها وتطويرها وإعادة هيكلتها وتبني الأفكارالابداعية وإخراجها لحيز الوجود والاستثمار فيها.