التغيّرات برمّتها في زمن جائحة كورونا وما بعدها حتماً ستطال التغيّرات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والتربوية والأكاديمية على السواء؛ فالملف الإقتصادي والسياسي مرتبطان ببعضهما وربما سيحدث تغيّرات تقلب موازين التراتيبية الدولية في هذا الشأن؛ وكذلك الحال في التغيرات الإجتماعية والتي ستطال كل شيء من عادات وتقاليد ومناسبات فرح وترح وكذلك السلوكيات الفردية والجماعية؛ كما ستطال التصرفات اليومية والإنفعالات النفسية والإجتماعية؛ ببساطة لأن الدروس المستفادة من جائحة كورونا جلّ مهمة لغايات التغيّر والتغيير في جوانبنا الإجتماعية صوب التأقلم مع مستجدات العصر والتطورات التي أساسها الحفاظ على الصحة العامة وأسس السلامة ومعاييرها درءاً لإنتشار الوباء والفايروس والتحولات المستقبلية في هذا الشأن:
١. عنوان المرحلة المقبلة بعد كورونا سيكون حتماً قرب الأسرة وأفرادها من بعض ومحبتهم لبعض وتواصلهم وتعظيم القيم الأسرية من محبة وإحترام ووفاء وتعاضد وتكافل وغيرها؛ بيد أن التباعد الإجتماعي الفيزيائي سيكون لكبح جماح الأمراض وعدوى الفايروسات عن طريق ترك المسافات الآمنة والعزل المنزلي وتغيير العادات التي تقتضي القرب المكاني والفيزيائي أثناء السلام واللقاء والمناسبات.
٢. في قابل الأيام بعد زمن كورونا ستختفي أو تقل كثير من العادات التي إعتدنا عليها وفيها خطورة لنقل الفايروسات وحتى الأمراض بين الناس؛ وذلك يشمل -ولا يقتصر على- عادات المجتمع الأردني بالسلام باليد والعناق المتكرر والحَضْن والأرجيلة والتدخين والأكل بالأيدي والقرب المكاني من بعض وغيرها؛ فوقف هذه العادات حتماً سيؤول إلى ثقافة عصرية جديدة تحقق الأمان الصحي لكل الناس.
٣. في رمضان حتماً إبان الجائحة توقّفت التجمعات على الولائم وتوقفت ولائم العنايا وتم إستبدالها للمقتدرين بالمال وفي ذلك فضل من الله ومنع للتجمعات التي لا يُحمد عقباها ولا تُعرف نتائجها؛ ولا يمكن لعاقل أن يسعى لذلك في ظل ظروف صعبة وبذلك يمكن تأجيلها لقابل الأيام أو إستبدالها بالمال أو الطعام الجاهز للبيوت دون تجمعات أبداً.
٤. التجمعات الكبيرة حتماً ستندثر إلى غير رجعة وخصوصاً في المباريات والطوابير العامة والمولات والمطاعم وغيرها؛ وهذه المواقع تعتبر بؤراً ساخنة وإنشطارية كمراكز لنقل العدوى والوباء أنّى كان كنتيجة لتجمع الناس وعدم مراعاة المسافات الآمنة والتباعد الإجتماعي؛ وإن أقيمت هذه التجمعات ستكون وفق أسس التباعد الإجتماعي لغايات الحفاظ على صحة وسلامة الناس.
٥. كما أن مناسبات الأفراح ستكون بأعداد محدودة جداً وستقتصر على المُقرّبين ولن نرى مظاهر أفراح كالسابق من حيث العدد والقُرب الفيزيائي بين الناس وستكون بالحد الأدنى؛ حتى المباركات ستتم عن بُعد من خلال الهواتف الخليوي أو وسائل التواصل الإجتماعي.
٦. وكذلك الحال بالنسبة لمناسبات العزاء وعيادة المرضى فستكون كلّها عن بُعد بالتواصل الإجتماعي والخليوي وستقتصر أيضاً على المقربين جداً؛ وهذا بالطبع يخفّف على الناس الجهد والمال والوقت ويفي بالغرض دونما هدر لأوقات الناس من أهل المناسبة أو الزوّار لأن في ذلك كفاية أو ربما يكون كفرض الكفاية إذا قام به جزء من الناس سقط عن الكل.
٧. حتى السهرات والأرجيل والحفلات وغيرها ستكون قليلة جداً لأن درجة وعي الناس وجرعتهم الروحانية والإيمانية زادت بإضطراد فغدا الناس لا يحبّذون ضياع الوقت والطلعات البعيدة عن الأسرة وأي فعالية فيها كثافة للناس وتقارب فيزيائي؛ مما يؤشر على تغييرات جذرية في الثقافة المجتمعية لكل الناس.
٨. ستنتشر ثقافات جديدة جداً بين الناس جلها الحذر والتباعد الإجتماعي والمسافات الآمنة والطوابير وعدم التبذير والترشيد للإستهلاك والتكافل الإجتماعي وروحية العطاء والعمل الإجتماعي والتواصل الإجتماعي عن بُعد والإكثار من المهاتفات على حساب الزيارات والبريد الإلكتروني ووسائل الرقمنة والإنترنت والمشي دون مركبات وتجذير ثقافة الحاجة أم الإختراع وغيرها.
٩. نتطلّع للإستفادة من دروس جائحة كورونا لتنعكس على قيمنا وعاداتنا الإجتماعية في كثير من القضايا التي باتت سبباً في إنتشار الفايروسات؛ والأهم من ذلك كله نظافة القلوب ونبذ الكراهية التي تعشّش عند البعض ليصبح مجتمعنا مجتمع التكافل والتراكم والمحبة بدلاً من البغضاء والحقد والحسد والأنانية.
بصراحة: جائحة كورونا ستغيّر الكثير من عاداتنا وتقاليدنا صوب التباعد والمسافة الآمنة والرقمنة؛ وحتماً سنرى الأيام القادمة حبلى بالتغيّرات الإجتماعية صوب عالم إجتماعي جديد يعيش فيه الناس في الأسرة كأساس وما في المجتمع والمحيط يكون ثانوياً وعن بُعد؛ وستسعى الناس لترشيد إستهلاكها وتوفير مالها ووقتها وجهدها قدر المستطاع.
صباح الوطن الجميل