الكورونا ما بين إنقاذ الأرواح او إنقاذ الاقتصاد

نبض البلد -
 منذ ان ظهر فيروس كورونا المتجدد ( كوڤيد 19 ) وانتشاره في العالم واقترابه من حدودنا إلى ان اخترقها وحط رحاله فيها وحتى الآن كتبت ثمانية مقالات عن هذا الوباء وحسب تطور المرض وانتشاره . وتحدثت فيها عما يجب ان تقوم به الحكومة وعما يجب ان يقوم به المواطن . وأشدت بما قامت به الحكومة من إجراءات تستحق الإشادة وانتقدت ما يستحق الانتقاد . كما تحدثت عن مسؤولية المواطن وما يجب عليه ان يقوم به لمواجهة هذا الوباء وأشدت بما قام به مما يستحق الإشادة وانتقدت ما يستحق الانتقاد .

وقد مرت الإجراءات الحكومية في مواجهة هذا الوباء بعدة مراحل تراوحت ما بين الطلب من المواطنين التزام منازلهم وتعطيل العمل والدراسة ومنع التجمعات العامة ، وإلى مرحلة فرض حظر التجول بصورة مطلقة ونزول الجيش والأجهزة الأمنية إلى الشارع لتطبيق هذا الحظر ومحاصرة بؤر الوباء وملاحقتها بمشاركة الفرق الطبية المختصة وذلك بعد صدور الإرادة الملكية السامية بالعمل بقانون الدفاع والذي أعطى رئيس الحكومة المزيد من الصلاحيات لمواجهة هذا الوباء مع طلبه ان يكون تطبيق هذا القانون بالحد الأدنى وبما لا يمس بحقوق المواطن السياسية وحرية الرأي والتملك .

ولحصول بعض الاختلالات بتطبيق حظر التجول الشامل بعضها تتحمل مسؤوليتها الحكومة وبعضها يتحمل مسؤوليتها المواطنين ، فقد تم السماح لهم بالتجول سيراً على الأقدام داخل الأحياء في ساعات محددة والسماح بفتح المحال التي تبيع المواد التموينية والمخابز والصيدليات اعتماداً على وعي المواطن والتزامه بالتعليمات التي أعطيت له والتي كانت في كثير من الأحيان مخيبة للآمال حيث كان يتم ضبط مئات من السيارات والمواطنين المخالفين يومياً .

وفي هذه المقالات تحدثت عن الإشاعات التي انتشرت وما تضمنته من اكاذيب وافتراءات كانت لها تأثيرات سلبية على المواطنين وساهمت في نشر الهلع والخوف في نفوسهم ، وتحدثت عن اختراق خصوصيات الآخرين وذكر اسماء المصابين أو المشتبه بإصابتهم و تحدثت عن الذين اختفوا عن ساحة التصدي للوباء ولم تكن تظهر رؤوسهم الا عند قيام الحكومة بزلة ما حتى وان كانت غير مقصودة ليستلوا سيوفهم من أغمادها ليطعنوها في ظهرها بدلًا من الوقوف معها في هذه اللحظات الحرجة . كما تحدثت عن التوسع في منح التصاريح وحصول بعض من لا يستحقون عليها وطالبت بحصول من يستحقون عليها ، وخصصت بذلك القطاع الزراعي والذي كان مطلوباً منه تزويد الأسواق بالمنتجات الزراعية الكافية فيما هم وعمالهم لا يملكون التصاريح اللازمة لتحقيق مهمتهم هذه . وتحدثت عن النجاحات والإنجازات التي تحققت من قبل الحكومة والمواطن وأفراد القوات المسلحة والأجهزة الامنية والكوادر الطبية وكل من تطلبت طبيعة عملهم النزول إلى الشارع او التزام مكاتبهم لتقديم الخدمات الضرورية للمواطنين .

وبشكل عام كانت لي تحفظاتي على بعض الإجراءات والتي أدت إلى زيادة حالات الإصابة بالوباء وان كانت في حدودها الدنيا . وكان مبعث تحفظاتي هو ان هذا الفيروس المتطور لم تكن أعراضه معروفة ولا كيفية انتقاله من شخص لآخر ولا مدة حضانته ولا ماهي وسائل الوقاية منه وظهرت عدة دراسات ومعلومات عن ذلك الا انه لم يكن يمضي وقت طويل حتى كانت تظهر دراسات ومعلومات تعاكس الاولى ، وظهر من يحدد فترات ذروته وفترات انحساره دون تبيان كيفية وصولهم لهذه المعلومات علماً بأنه ليس لهم تجربة سابقة مع هذا الفيروس والذي خرج عن كل ما كان معروفا سابقاً عن عائلته .

وقد ظهرت وجهتي نظر لمواجهة هذا الوباء أولاها التصدي له ومعالجة المصابين به مهما كانت كلفة ذلك وتطبيق أساليب الحظر والحجز ومنع التجول و وجهة النظر هذه تعطي للحياة اولوية على الاقتصاد . والثانية ترى ان هذا الوباء سوف يصيب 70% من سكان الأرض وان غالبية من يصابون به سوف يشفون من غير ان يشعروا انهم اصيبوا به ، وان معظم من تظهر عليهم أعراضه سيتمكنون من الانتصار عليه بمناعتهم الذاتية ، وان من سوف يؤثر بهم إلى درجة الموت هم كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة وكأنهم يقولون انهم لا يستحقون ما ينفق على معالجتهم . وأنه بعد ان يستكمل الوباء دورته ويصيب معظم البشر سوف يختفي من تلقاء نفسه وأنه لا داعي لاتخاذ إجراءات لمواجهته قد يكون لها تأثيرات سيئة على الاقتصاد . وانصار هذا الاتجاه يعطون الاقتصاد اولوية على الحياة معتمدين على مناعة القطيع .

هذا وبعد مرور ثمانية عشر يوماً على فرض حظر التجول الكلي والجزئي والذي ألزمت به نفسي ، وبالرغم من الخروقات التي قام بها عدداً من المواطنين لهذا الحظر وحتى في يوم الجمعة الماضي الذي فرض به حظراً مشدداً للتجول . وبالرغم من زيادة عدد المصابين بهذا الوباء بعد انخفاض ملحوظ لمده يومين . وبالرغم من ان كل الإصابات الجديدة كانت نتيجة عدم وعي البعض وعدم تنفيذهم لتعليمات عزل أنفسهم أو الابلاغ المبكر عن اصابتهم مما تسبب بنقل العدوى لآخرين مما يضع الاعتماد على وعي للمواطنين على المحك . الا انني وبنفس الوقت اقر بأن استمرار الوضع على ما هو عليه حالياً أصبحت كلفته عالية على المواطن وعلى الوطن وأنه من المستحيل الاستمرار في إيقاف عجلة الحياة والاقتصاد وأنه لابد من الموائمة مابين العلاج والمحافظة على الحياة والعمل على الحد من الخسائر الاقتصادية .

وفي الوقت الذي كان البعض يتوقع زيادة التشدد وربما اعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية كما يطالب البعض، فقد بادر جلالة الملك المعظم قائد هذه المعركة بتوجيه تعليماته للحكومة للبدء في العودة التدريجية والمدروسة إلى الوضع الطبيعي دون الإخلال في مكافحة الوباء والقضاء عليه . وهذا ما يعتبر وجهة نظر ثالثة تراعي حياة الإنسان وتسعى للتقليل من الخسائر الاقتصادية بقدر الإمكان .

الا انه وما ان تم الإعلان عن ذلك حتى سارعت كافة القطاعات إلى طلب السماح لها بالعودة لممارسة نشاطاتها مستندة الى أهمية ما تقوم به وما تقدمه من خدمات وانها قادرة على اتخاذ الإجراءات الصحية الكافية لحماية العاملين فيها والمتعاملين معها . ومع إقراري بأهمية كل القطاعات وتكاملها الا انه يجب الإدراك بأستحالة عودتها جميعها لممارسة أعمالها في وقت واحد أو حتى في فترات متقاربة ، لما سيترتب على ذلك من التوسع في منح تصاريح الحركة لعدد كبير من المواطنين ، أو حتى رفع حالة منع التجول نهائياً وما قد يترتب على ذلك من نزول الجميع إلى الشارع وخاصة بعد فترة الانحباس الطويلة في المنازل ، مما قد يجعل إمكانية التحكم بتصرفات هذه الجموع وإلزامها بأخذ الاحتياطات الصحية الضرورية أمراً صعباً ان لم يكن مستحيلاً . وخاصة أنه لا يمكن الاعتماد على وعي المواطنين بشكل كامل لوجود قلة منهم لا تملك هذا الوعي وهي كفيلة بالإخلال بكل الإجراءات الاحترازية المفروض اتخاذها .

وأنا ارى انه لابد قبل ذلك من إصدار مجموعة من أوامر الدفاع التي تضمن التزام جميع المواطنين بالتقيد بتعليمات السلامة العامة تحت طائلة العقوبات المشددة والى درجة اعتبار من ثبت حمله لهذا الفيروس أو يحتمل ان يظهر عليه كونه مخاطاً لحامله ولم يلتزم بألحظر المنزلي وتسبب باصابة أشخاصاً آخرين مرتكباً لجريمة الشروع بالقتل . ومن تسبب إهماله بذلك إلى وفاة احد الأشخاص متهماً بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد . مع تشديد العقوبات على كل مخالفة لهذه التعليمات وعلى من ينشرون الإشاعات أو يروجون لها أو يتناقلونها . وان تكون العودة للعمل تدريجية ولا يتم الانتقال من مرحلة إلى أخرى الا بعد التأكد من نجاح الاولى وهكذا . وكل هذا حتى نتجنب العودة إلى المربع الأول او حتى اسوء من ذلك وحتى لا نُضيع جهد جميع من تصدى لهذا الوباء وحتى لا نُخيب امل سيد البلاد فينا . وحمى الله الأردن والأردنيين وحمى الله العالم اجمع من هذا الوباء.