خواطر حول وباء الكورونا

نبض البلد -

اللواء المتقاعد مروان العمد

08-03-2020 10:37 AMمنذ ان أعلن عن اكتشاف حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا في الاردن والحال اصبح عندنا غير الحال . فقد سادت حالة من البلبلة والهلع بين المواطنين والذين تزاحموا على الصيدليات والمراكز التجارية التي تبيع الكمامات ومادة الهايجين المعقمة والتي ينصح باستخدامها في هذه الايام للوقاية من هذا الوباء . كما أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ميداناً رحباً لمن يريد ان يتحدث عن هذا الوباء.

وفي حين ان الكثيرين قد تحدثوا عنه بعقلانية ومن ناحية طبية وعلمية واقعية وحذروا من خطورته من غير مبالغة وأرشدوا إلى طرق الوقاية منه ، الا ان الكثيرين اخذوا يفتون بهذا الموضوع دون خبرة ودراية وقد كثرت الوصفات العلاجية الغير مستندة الى أسانيد علمية . وقد تحدث أمام مسجدنا في صلاة الجمعة الماضية بأن من يتناول سبع حبات من تمر المدينة أو غيرها في رواية أخرى كل صباح فأنه يحمي نفسه من كل الأمراض والعلل والأوبة والسموم . وقد عمد آخرون إلى نشر أية معلومة أو إشاعة تصلهم عن هذا الوباء عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون التأكد من صحتها ، ومن بينها الكثير من الأخبار والمعلومات المدسوسة التي الهدف من ورائها نشر حالة من الرعب والقلق بين المواطنين . فيما اختص آخرون في صناعة وفبركة الأخبار والإشاعات الغير صحيحة ونشرها بين المواطنين .

كما وان البعض قد استغلوا هذه الفرصة لزيادة حملتهم على الحكومة ووزرائها واتهامهم بالتقصير والعجز والإهمال . فأذا قام بعض أفرادها بتصرف معين أو صرح احدهم بتصريح ما تمت مهاجمتهم لأنهم فعلوا ذلك ، وأن لم يفعلوا ولم يصرحوا تمت مهاجمتهم لأنهم لم يفعلوا ذلك. ورغم الحملات التي تجري بحق مروجي الإشاعات ودعوتهم للأمتناع عن ذلك فقد استمرت الإشاعات في الانتشار وفي اتساع وتيرتها . فقد أدعت إحداهن في تسجيل صوتي بوجود حالات من هذا الوباء في مستشفى المفرق الحكومي وعن تواجد كثيف لأجهزة الأمن هناك وان هذا يجري في ظل صمت وانكار حكومي وهو الأمر الذي ثبت عدم صحته . فيما ذهب آخر إلى نفي وجود فيروس كورونا في الاْردن من اساسه وان كل ما يحصل هو تمثيلية لإلهاء الشارع الأردني عن قضية فواتير الكهرباء والتي اقتربت اللجنة المكلفة بدراستها من اعلان نتائج هذه الدراسة وغير ذلك الكثير من الأحاديث والإشاعات.

ولكي أكون عادلًا ومنصفاً فأنني أقول ان البنية الطبية الاردنية ثبت انها غير مؤهلة للتعامل مع مثل هذه الحالات وأنه لا توجد لدينا أماكن مناسبة للعزل الاحترازي للمشتبه بإصابتهم به ، ولا حتى للعزل الطبي للذين ثبتت اصابتهم . وليس لدينا خططاً موضوعة مسبقاً للتعامل مع مثل هذه الحالات وان الكثير من التخبط ساد الإجراءات الحكومية. ولكن ورغم ذلك لا يمكن انكار ان الجهات المعنية تحاول جاهدة مواجهة هذه الحالة ضمن الإمكانيات المتاحة لديها والتي اعتقد انها فعالة وان كانت ليست بالمستوى المطلوب . كما يجب الإدراك ان العزل الصحي وخاصة للمصابين يتطلب عزلهم عزلاً تاماً عن الآخرين باستثناء الطاقم الصحي المسؤول عنهم ، وان هذا قد لا يختلف عن السجن الانفرادي ، حيث لا يشاهد المسجون الا السجان ومن يمرر له الطعام . ويجب ان يدرك المعزولين ذلك وان هذا الأمر هو لمصلحتهم ومصلحة ذويهم والمجتمع كافة . ولكن بنفس الوقت لا بد من الإقرار انه يقع على عاتق الدولة ان توفر لهم الحد الأدنى من وسائل الراحة والترفيه كأجهزة التلفاز مثلاً ، اذ ليس من المعقول ان تحتفظ بشخص لأسبوعين ولا يوجد من يحدثه ولا يوجد ما يعمله أو يشاهده ليعينه على تمضية هذه المدة الى جانب الحالة النفسية التي يعيش فيها لإصابته بهذا الوباء وقلقه على افراد أسرته من ان تكون قد انتقلت اليهم العدوى.

 

ولكي أكون عادلاً أيضا فأن الكثير من المطالب الجماهيرية مبالغاً فيها وخاصة المطالبة بوضع جميع القادمين من دول ظهر بها هذا الوباء في الحجر الصحي المعزول لأنه إذا كان ذلك ممكناً القيام به الآن ، فأنه قد يصبح أكثر صعوبة في حال زيادة انتشار رقعته وأعداد المصابين به ومن بينهم اردنيين كثيرين قد يتطلب الأمر إعادتهم إلى وطنهم . مع انه من الممكن إجراء فحص اولي للقادمين على المراكز الحدودية وتحويل من يشتبه بإصابتهم إلى الحجر الصحي التحفظي ومن تثبت إصابته إلى العزل الصحي وان يتم وضع البقية في الحجر المنزلي ، اذ انه سيكون صعباً وضع الجميع في الحجر الصحي وفي ظروف غير مناسبة ومن الممكن ان تتسبب لهم بالإصابة بهذا المرض من خلال تواصلهم مع الحالات المشتبه بإصابتها . ولكن هذا يتطلب درجة عالية من الوعي لدى المواطنين بالالتزام بهذا الحجر المنزلي وعدم الاختلاط مع الآخرين خارج حدود منازلهم طوال مدة الحجر والى حين ثبوت عدم إصابتهم به بشكل مؤكد وان يسارعوا إلى مراجعة المراكز الطبية حال احساسهم بأي عارض صحي قد يكون ناجماً عن هذا المرض . وهذا الأمر معمولاً به في الكثير من دول العالم وخاصة مع هذا الوباء الذي ثبت انه الأقل خطورة على الحياة من جميع الأمراض الفيروسية التي اجتاحت العالم خلال العقود الثلاثة الماضية ، حيث ان نسبة الوفاة من بين المصابين به لا تتعدى ٢% . وحتى ان معظم الوفيات ضمن هذه النسبة تقع بين كبار السن أو من يعانون من أمراض مستعصية أو مناعتهم منخفضة ، وهذا لا يعني ان تترك تلك الفئة ليفتك بها هذا الوباء ولكن لتكون هذه الحقيقة دعوة للعناية المركزة والحثيثة بتلك الفئة حتى لا تقع ضحية له .

كما ثبت ان عدد من تعرضوا للإصابة بهذا الوباء هو الأقل بين جميع الأوبئة السابقة المشابهة له والتي انتشرت في العالم خلال الفترة الأخيرة . وعندما نعرف ان الصين والتي هي اول دولة ظهر فيها هذا الوباء واعتباراً من منتصف كانون الأول عام 2019 والتي يبلغ عدد سكانها اكثر من 1400 مليون شخص ، وأن عدد المصابين فيها بلغ حوالي 90 الف شخص فقط ، تماثل منهم للشفاء التام ما لا يقل عن نصفهم ، في حين توفى منهم حوالي ثلاثة آلاف شخص والبقية قيد العلاج . وان من اصيب به خارج الصين هم حوالي عشرة آلاف شخص توفي منهم بضع مئات . وان عدد الإصابات والوفيات اليومية في العالم بانخفاض مستمر ، ندرك ان هذا الوباء ليس هو الأخطر على صحة الإنسان . وأنه لو قارنا عدد الوفيات نتيجة هذا الوباء في كل أنحاء العالم بعدد من توفوا من مرض الانفلونزا العادية الموسمية في العالم وبنفس الفترة الزمنية لوجدنا ان عدد من توفوا في الانفلونزا العادية قد يكون اكثر ممن توفوا نتيجة اصابتهم بهذا الوباء . ناهيك عن الكثير من الوفيات نتيجة الأمراض المستعصية وغير المستعصية والحوادث والكوارث والفتن والحروب.

خلاصة القول ان خطر هذا الوباء لا زال مرتفعاً وأن عدد المصابين به في ازدياد وان عدد الدول التي ظهر بها قد بلغ المائة دولة ، وأنه لا علاجاً شافياً له بصورة قاطعة حتى الآن . وان مواجهته تتم بإجراءات وقائية أهمها المحافظة على النظافة والتعقيم والعمل على تناول المواد التي ترفع مناعة الإنسان وعدم الأختلاط بالمصابين بهذا الوباء . وان الالتزام بشكل كامل بهذه الإجراءات ليس سهلًا وخاصة في مجتمعاتنا وما درجنا عليه من عادات وتقاليد والتي لابد لنا من لتغييرها والتنازل عنها . الا انه يجب ان لا نجعل الخوف والهلع يسيطران علينا فأن نسبة 87% من الذين يصابون به يشفون منه دون أي عوارض خطيرة وحتى دون ان يعلم بعضهم بذلك.

ويجب ان نعمل لتستمر عجلة الحياة بالدوران وان لا نساهم في ايقافها من خلال الاستسلام لمخاوفنا او إهمالنا بأتباع أساليب الوقاية منه أو من خلال نشرنا للإشاعات او الأخبار الكاذبة .

قبل أيام كانت انتخابات الكنيست الصهيوني وكان الوباء قد ظهر هناك وكان عدد الإصابات المؤكدة حسب ما أعلن عنها في حينها عشرة إصابات ، بالإضافة إلى عدة آلاف من الحالات المشتبه بها والتي ثم وضعها قيد التحفظ المنزلي . الا انه ورغم ذلك فقد تسابق الناخبون إلى صناديق الاقتراع لتبلغ نسبة التصويت الأعلى منذ عشرات السنين لكي يختاروا ما بين اليمين المتشدد واليمين الأكثر تشدداً ولم يدعوا هذا الوباء يجعلهم حبيسي منازلهم . ولهذا يجب علينا نحن ايضاً ان لا نجعله يقيدنا داخل منازلنا وداخل خوفنا منه وان نعالج كل مرحلة يصل اليها الوباء بما تتطلبه من إجراءات علاجية ووقائية .

ان خطورة هذا الوباء الحقيقية هي في الخسائر الاقتصادية والمالية التي سوف تتعرض لها كل دول العالم حتى تلك التي لم تعاني منه نتيجة خسائر الشركات الصناعية والتجارية والمالية ونتيجة توقف الصناعات والتبادل التجاري الدولي بالإضافة الى خسائر شركات الطيران والحركة السياحية في العالم والعاملين فيها وتوقف الكثير من الاعمال والمصالح والمحال التجارية والمطاعم وأماكن الترفيه ، ثم يمكن ان يمتد ذلك إلى إغلاق للمدارس والجامعات وأماكن العمل الحكومي والخاص . وان هذه الخسائر معرضة للزيادة مع مرور الأيام وعدم السيطرة على هذا الوباء . ان هذا هو مبعث الخوف الحقيقي والكبير من هذا الوباء والذي ندعوا الله تعالى ان يزيل غمامته عن سماء العالم اجمع وان يتم الوصول إلى مصل مضاد له في القريب العاجل .