د. غيداء القلاب
يقولون ان الشمس لا يمكن ان يغطيها احدهم بالغربال مهما حاول جاهداً..
هم كذلك.. يعتقدون ان الأغشية المطاطية التي يختبؤون خلفها قادرة على اخفاء كم من القباحة تسري في دمائهم..
كانت جدتي قديماً تروي لنا الحكايات ليلاً.. تهمس بمدى صوتي وأفق صوتها الزمردي لنلتف حولها بكلماتٍ دافئه بالأمان..
كانت تصنع لنا "عروسة اللبنه" وتضيف عليها شرائح من الحب والحنية.. وقليلاً من عبق الطهر في يديها..
كانت جدتي تعلمنا على أن تمتلئ ذواتنا بالشبع.. ان رغيف الخبز الزاهد يكفي عائلتنا بأكملها.. وان مرت من امامنا نسمة عطشى رويناها من أصالة شبعنا..
كانت جدتي تخبرنا ان هناك عصفوراً يبحث عنا تحت الحنايا وبين السطور.. يسلمنا الهدايا الالهيه..
كانت تخبرنا ان هذه الهدايا مليئه بعطايا الرب إن كان داخلنا يشعر "بالشبع"..
وان البذرة الجوعى لا يمكن ان تشبع لو تجمّعت حولها كل عصافير المدينه..
كانت جدتي تخبرنا اننا معادن.. وان الحياه تسير بفصولها لتكشف معدننا.. وان الاصيل منها هو من يصمد حتى النهاية..
وان الصمود ليس بالمال.. ولا بكلام الغراب خلف ظهورنا.. ولا بتكسير مجاديف قواربنا.. الاصيل هو من يتقاسم معك لقمته لترى في نهاية يومك وعلى عتبة بابك ان وجبة كامله تنتظرك..
كان كلامها مبهماً جداً لي.. بل لنا جميعاً.. كنا نعتقد ان كلامها شعوذات كبار السن..
وان ممر الحياة وردي معبق بالياسمين.. وان اظفارنا التي ما سئمت بوضع الحناء عليها سوف تبقى طاهرة للأبد هكذا..
لكننا كبرنا يا جدتي الف يوم في اليوم.. تذكرنا كم من العيون تشعر بالجوع على ما تخبؤه يدا غيرها..
تُذكرنا ان البشر هم الفصيلة الوحيدة العدوة لنفسها.. الملآى بكل خبث وسوء الارض..
زارتني جدتي في الامس.. ربتت على كتفي كثيراً.. أزاحت الستار من امامي.. ياه كم هي جميلة صفاء سريرتنا.. وكم هم حمقى يستحقون الحزن لاجلهم..
يشبعنا جميعاً رغيف الخبز الواحد.. ولا يكفيهم وحدهم الكيس بذاته!