بلال العبويني-
إبان أزمة المعلمين، سألني صديق كان للتو عائد من رحلة خارجية طويلة مستغربا "لماذا مستوى انتشار الإشاعات في الأردن أكثر منه في أي من المجتمعات المحيطة"؟.
أجبته معددا أسبابا كثيرة، من أبرزها "صغر المجتمع الأردني من حيث تعداده وعدد العشائر والعائلات التي يتكون منها، ما يجعل الجميع تقريبا يعرف بعضه البعض، ما يُسهل انتشار الإشاعة كالنار في الهشيم".
وقلت أيضا إن أخطر ما في انتشار الإشاعات حالة الإنكار للدولة ومنجزاتها وأفكار التهديم والتبخيس بكل شيء، وبوصولها إلى مستويات مرتفعة وغير مقبولة عندما تطال رمز الدولة وأهل بيته دون أي رادع أخلاقي.
قبل أكثر من عام بقليل، طالت الإشاعة جلالة الملك عندما كان في إجازة خاصة بالولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الرغم من أن إجازات الملك مبرمجة سنويا ومعلوم مواقيتها، إلا أن البعض اتخذها وسيلة لممارسة عبثه عبر إشاعات لا يصدقها العقل ولا المنطق.
في لقائه بعدد من الكتاب الصحافيين، الذي تشرفت أن كنت من بينهم، قال الملك لنا بعد عودته من إجازته تلك، "أشاعوا أن الأمريكان يسجنونني"، متسائلا "ولماذا أسجن في أمريكا"؟، داعيا في ذات الوقت كل من يستمع إلى معلومة من هذا القبيل وغيره أن يمنح نفسه دقيقة من الوقت ليفكر بمدى منطقية ما يستمع إليه من إشاعات".
فهل نمنح أنفسنا القليل من الوقت للتدقيق بما يردنا من معلومات؟
أثناء أزمة المعلمين، الكثير من الإشاعات كانت سيدة الموقف، وغالبيتها لا سند لها وكانت منقطعة من أي أصل أو فصل، فضلا عن أن مصدرها كان مجهولا، ما قد يؤشر ببساطة إلى الهدف الذي يبغيه مطلق تلك الإشاعات.
من تلك، تحميل أكاديمية الملكة رانيا مسؤولية ما يجري في قطاع التعليم، على الرغم من أن اعتصام المعلمين كان مطلبيا ينحصر في زيادة العلاوة على الرواتب، وهو ما ليس للأكاديمية أو أي من مبادرات الملكة دخلا فيه من قريب أو بعيد.
فالإضراب لم يكن على المناهج الدراسية أو على أساليب التدريس، أو اعتراضا على انخفاض مستوى التحصيل العلمي، لكن البعض حاول حرف الأزمة لتحميل الملكة مسؤولية ما يجري، على الرغم من أن الأمر مرتبط بالحكومة والمعلمين فقط ودون وجود أي طرف آخر له علاقة بالقضية.
والسؤال هنا، هل كانت الملكة ستمنع زيادة رواتب المعلمين وهي التي تعترف أن المعلم محور العملية التعليمية، وهي التي تسعى مبادراتها إلى تطوير البيئة التعليمية وتطوير مهارات المعلمين لخدمة الطلبة وتحصيلهم العلمي؟.
في وقت سابق، انتقد النائب صالح العرموطي أكاديمية الملكة رانيا، وعلى الرغم من تفنيد تلك الاتهامات في حينه إلا أن القائمين على الأكاديمية دعوا النائب لزيارة مقرها، وهو ما حدث، حيث أوحت الصور المنشورة من الزيارة مدى الأريحية التي كان عليها النائب العرموطي، والذي لم يقل كلمة بعد اللقاء تسيئ للأكاديمية أو لبرامجها.
اليوم، تعود الملكة في رسالتها للأردنيين لتوضح الكثير من الحقائق المرتبطة بها وبالمبادرات التي تكرس وقتها لإنجاحها، وهي وإن تحدثت بلغة غاية في التهذيب والاحترام المحمول بالعتب، إلا أن فيها شعورا بالمرارة لسعي البعض إلى حرف البوصلة عن وجهتها الصحيحة عبر الإساءة والتشهير وبث الإشاعات الكاذبة التي لا تستند إلى أي دليل.
بث الإشاعات الكاذبة، ربما يعتبر اليوم أعظم تحدّ تواجهه الدولة بما تحمله من قدر كبير من الإنكار والإساءة والأفكار الهدامة التي إن كان هناك ضحية لها، فإن الدولة بمفهومها الأشمل هي أول الضحايا لذلك، ولأن مطلقها يقصد من ذلك الهدم لا البناء وهذا أخطر ما في القضية.
لذلك، إن كان من يبثون الإشاعات يشكلون خطرا على الدولة، فإن هناك من يشكل خطرا أكبر ويتمثل بمتلقي الإشاعات على أنها مسلمات ويبدأون في نشرها وتناقلها دون أن يمنحوا أنفسهم الوقت القليل للتمحيص بصدقية ومنطقية ما يستمعون إليه من معلومات كاذبة ودون أن يسألون أنفسهم السؤال البديهي، ما الهدف من هذه المعلومة؟.
هل ستتوقف الإشاعة، بالتأكيد لن تتوقف لكن التسليم بها كحقائق يتوقف علينا نحن وعلى وعينا وفطرتنا الأردنية التي لا تقبل الهدم والتكسير والنيل من المنجزات، ورمي الناس بما ليس فيهم دون أي دليل أو أي رادع أخلاقي.