د. أيّوب أبو دية
مساء الأربعاء السابع من آب 2019 اجتمع رهطٌ من أعضاء منتدى ابن سينا الثقافي–بيت الصداقة في جبل اللويبدة للاستماع للدكتور أحمد حياصات مدير شركة الكهرباء الوطنية الأسبق الذي استعرض فيها تاريخ تطور المنظومة الكهربائية في الأردن منذ الثلاثينيات عندما كانت تضاء شوارع عمّان بماتورات ديزل حتى يومنا هذا.
من اللافت إدراك المحاضر إلى الأخطاء الكثيرة المتراكمة وقلة الخبرات وتعاقب عشرات الوزراء على وزارة الطاقة من دون خطط مستدامة والتي آلت فيما آلت إليه إلى أن يصل إنتاج الأردن من الكهرباء إلى زيادة القدرة على الإنتاج بنحو 50% من الحمل الأقصى والذي ينجم عنه خسارة اليوم تكلف الخزينة مئات الملايين من الدنانير ثمناً لقدرة العديد من المحطات على إنتاج الطاقة من دون أن يطلب منها أن تنتج كيلوواطا واحدا من الكهرباء.
ومن الواضح أن السنوات القادمة سوف تشهد إضافات جديدة من القدرات على الشبكة الكهربائية بحيث تصل إلى نحو 6 آلاف ميجاواط أي ضعف الحاجة إليها تقريباً، علما بأنه في السنوات الأخيرة كان هناك تراجع، أي نمو سلبي في استهلاك الطاقة. وتساءل الجمهور عن حجم الكارثة التي كانت سوف تحصل اذا صدق المشروع النووي وعده وبدأ بإنتاج الكهرباء في عام 2018 أو 2022؟ بل وتساءل البعض لماذا لا يتم التفكر في استخدام الكهرباء في مواصلات النقل العام بدلا من الباصات التقليدية؟ كما تساءل آخرون لماذا لا يتم تخفيض سعر الكهرباء على المصانع لتشجيعهم على الاستمرار في العمل بدلا من أن نسمع عن عشرات ألاف المصانع التي أغلقت في الأعوام الماضية؟
كذلك تم الحوار حول إدخال الإستراتيجية الوطنية للفحم الحجري الذي دعمه المحاضر بينما كانت هناك وجهات نظر مخالفة من الحاضرين تقول أن الثروة الوطنية هي التي يجب أن تدعم كالصخر الزيتي وليس مادة الفحم المستوردة، علما بأن التلوث الناجم عن الفحم الحجري كما يستخدم في المصانع أسوأ بكثير من ذلك الناجم عن حرق الصخر الزيتي، وبخاصة قدرة الفحم الاشعاعية الضارة، وهو مادة مستوردة بينما الصخر الزيتي مادة وطنية تحقق مفهوم الاستدامة وتفتح فرص عمل للأردنيين، بينما إنتاج الفحم الحجري يتم خارج الأردن ويفتح فرص عمل في بلد المنشأ.
ونوقشت مسألة الضرر البيئي فيما يتعلق بهذه المواد الطبيعة الملوثة الشديدة التلويث للبيئة ففيما كانت إحدى وجهات النظر أن الأردن لا يلوث الكرة الأرضية كثيراً، وهو تبرير تقليدي لاستخدام الفحم الحجري فيما يتم تجاهل الأضرار الصحية والبيئة على المدى الطويل والتي تسهم في تلوث ما تبقى لدينا من مياه صالحة للشرب وزيادة التدهور البيئي في الأردن الذي تجاوز في الآونة الأخيرة 3% من مجمل الدخل القومي.
وأخيراً تم الحوار حول نقاط مهمة مثل إمكانية تصدير الطاقة الكهربائية إلى دول الجوار والتي يبدو أن الحكومة الأردنية بدأت تسعى إليه كمنفذ لحل أزمتها فيما يتعلق بفائض الطاقة الموجودة حالياً، واتفق أن الإمكانات محدودة والتحضير للتوصيل بدول الجوار ليست سهلة ويحتاج إلى سنوات، كذلك فإن تباين قدرة الشبكات والأسعار بين دولة وأخرى تجعل من تصدير الكهرباء إلى دول الجوار مسألة شبه مستحيلة، إلا إذا كانت الكهرباء تتجه إلى دول متقدمة كأوروبا مثلاً ولكنها مسألة صعبة المنال في ضوء الحرب السورية المشتعلة التي يمر منها الخط العربي إلى تركيا فأوروبا. وتصدير الكهرباء إلى مصر فمحدود، كذلك إلى أريحا. أما احتمالية الربط مع الكيان الصهيوني فهي مسألة تحتاج إلى موافقة الدول العربية الثماني، وهذا أمر يبدو مستحيلا في ضوء الأوضاع السياسية القائمة حالياً.
ختاماً لابد من القول أن المحاضر كان متوازناً في طرحه، موضوعياً في أفكاره، ومن الغريب أن يتم استبعاد هكذا شخصيات عن قطاع الطاقة في الوقت الذي بات هذا القطاع بحاجة ماسة إلى خبراء واستشاريين للاعتماد عليهم والانتفاع من خبراتهم التي واكبت تطور الشبكة الكهربائية الأردنية منذ سبعينيات القرن العشرين حتى يومنا هذا!