فُرات العموش
لا يُمكن النَظر إلى مُحتوى وسائل الإعلام بِمَعزَل عن التَطوّر التكنولوجي، كَما ولا يُمكن النَظر للمحتوى بِمَعزل عن المُواطِن! حتّى وإن كان هذا مُرتبطا بطريقة عرض الموضوعات وطبيعتها، إلى جانب الأساليب والقوالب التي تُقدَّم من خلالها، فَضلاً عن الجمهور الذي تَستهدفه الرسائل، كُلها عوامل تؤثر على ما تقدّمه الوسيلة إلى الجمهور، وفي النظر إلى أن الغاية تبرّر الوسيلة، ظَهر مفهوم "صحافة المواطن Citizen Journalism" التي أضحت حالة مُهيمِنَة ومُختلفة عن مفاهيم الإعلام التقليدي، ومساهمة شبكة الإنترنت في تشكيل بيئة تتميّز بتكاثر منافذها الإتصالِيّة، التي تَتَنوّع في توجّهاتها وقِيَمها وأُطرها الفِكريّة والحَضارِية والأخلاقيّة والجغرافية التي تستند إليها، إلى جانب بناء ما يُعرف بالتواصل التفاعلي أو التشاركي بين أطراف العملية الإتصاليّة.
امتد التأثير وتَشكّلَت حالة لم تكن مَعروفة من قبل، ساهمت في بَلورة مفاهيم وقِيم وآليات إعلامية جديدة، وتَحوّلَت إلى واقع أثّر بصورة كبيرة في تَغيُّر مَسارات مُهمة في مجال الإعلام من جهة، وعلاقة الإعلام بالمُجتمعات من جِهة أخرى، قادت بدورها إلى ظهور خريطة اتصالِيّة من أبرز ملامحها كَيفيّة اندماج وسائل الإعلام الإذاعيّة المَسموعة والمَرئية والمطبوعة في شخص واحد يُدعى الصحفي المواطن.
الصحفي المواطن مفهوم جديد يتواجد في مُحيطك دائماً، وقد يكون فَرد من عائلتك، أو مؤثراً على مواقع التواصل الاجتماعي، -وقد ظهر جَلِيّاً كيف استعانت الحكومات بهم واستضافتهم في غُرف مُجهَّزَة بالكامل لِتَبُث رسائلها من خلالهم والإستعانة بِمنصّاتهم- ، ومن وجهة نظري أجد أن هناك تداخلا كبيرا في الوظائف بين الصحفي المواطن والمؤثّر على مواقع التواصل الإجتماعي، وبِصَرف النظر عن هذا وذاك إلا أنّنا بالكاد أن نُجمِع على أن المذكورين أعلاه بمختلف تصنيفاتهم تعرّضوا إلى كم هائل وكبير من الرسائل، ومع مرور الوقت أصبحوا يُحَلِّلونَها بأنفسهم وفق مَنطقهم وأيدلوجيات تتعلق بهم وبالمجتمع الذي يعيشون فيه بمعزل عن محلّلين سياسيين يُطلّون علينا عبر نوافذ القنوات الإخبارية التي أصبحت تلعب دوراً سياسيّاً إقناعيا بعيدا كل البُعد عن دور الصحفي في تشخيص واقع الحال بمصداقية، ولم نعد نشاهد المحتوى بل أضحينا وأمسينا نَطَّلِع على سياسة قنواتهم يومياً.
وفي ظل هذا التراجع الكبير في دور وسائل الإعلام، التي لَم نَصل إلى مرحلة نُنكِر فيها أهميّة هذه الوسائل، إلا أن هذا التطور الذي نَشهده بدءاً بصحافة المواطن وليس انتهاءً بصحافة الروبوت، إلا انه يشكل مظهراً آخر من مظاهر التقدم التكنولوجي الذي سيقود إلى تحولات كبيرة في بنية المؤسّسات الإعلامية، وطرق عملها.
ولم يعد ضجيج غُرفة الأخبار يرتقي في تصميم المُحتوى، وفَقدت هذه الصناعة جودتها، صناعة إعلاميَّة عربيَّة هَشّة، وإعلام تجاري يتبع للجهات الداعمة ويُمثّل أجنداتها ورؤيتها، مفاهيم ظهرت وأخرى بدأت بالتَغيُر تدريجيّاً في ظل تَعدُّد وسائل الإعلام وكثرة المصادر وعدم وجود منصّات إعلام مُستقلة بذاتها، تَعدَّدت الأسباب ومُستقبل الصحفي إلى المجهول.
أهلاً بالصحفي المواطن الأكثر استقلالية في تعبيره عن مجتمعه واحتياجاته ورغباته في سَماء حرّيته التي لا سقف لها ولا حدود، في وقت أصبح الصحفي المؤسّساتي مؤدلجا ضمن قالب مُعيّن في تَعبيره عن رأيه، وحكومات أفقدَتنا الشغف في كل المِهن بَحثاً عن العمل.
وفي الخِتام يَدور في ذِهني سؤالاً عن ما إذا كان المواطن يولد صحفي بالفطرة، أم أن الصحفي يولد مواطن؟
وما أحوجنا إلى صحفي مواطن، فأهلاً بالمواطن وصحافته.