وليد حسني
أقيمت بالأمس صلاة سياسية محاصرة في مقر حزب جبهة العمل الإسلامي على روح الرئيس المصري السابق محمد مرسي ممثل جماعة الإخوان المسلمين ، بعد ان رفض محافظ العاصمة سعد شهاب إقامة صلاة الغائب أمام سفارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المتهم الرئيسي بقتل رئيسه السابق وفقا لما تقوله الجماعة.
ومن المؤكد ان قرار المحافظ شهاب يأتي منسجما تماما مع قرارات السيسي بمنع أية جنازة شعبية لمرسي والاكتفاء بجنازة عائلية ، وهي سياسة ليست"سيسية " تماما، فمنذ فجر التاريخ الاسلامي ومثل هذه السياسة متبعة تماما من قبل الخلفاء والأمراء تجاه دفن منافسيهم.
بالأمس كان الإخوان في الأردن يريدون إقامة صلاة الغائب بنكهة سياسية خالصة على روح ممثلهم على عرش مصر، وهو العرش الذي نالوه بانتخابات شعبية قبلها البعض لنزاهتها ، لكن سياسة صاحب العرش أودت به وبالجماعة بانقلاب عسكري دبر بليل، وكان يستهدف بالدرجة الأولى منع "أسلمة مصر" أو حتى"أخونتها".
وبالرغم من كون الرئيس مرسي قضى نحو ست سنوات في زنزانته وصولا الى موته المفاجئ أمام قضاته في المحكمة، وبالرغم من كونه شخصية أكاديمية مرموقة ، إلا أنه لم يكن صاحب خبرة في إدارة الدولة والحكم ، ولهذا تم اختياره من قبل الجماعة كمرشح احتياط خلفا لمرشحها الأول خيرت الشاطر، وتم الزج به لسدة الرئاسة بحكم الضرورة، وجاء منافسه وخليفته أيضا رئيسا انقلابيا بحكم الضرورة أيضا.
وبالرغم مما قيل عن فترة حكم مرسي ، فإن من المؤكد ان السيسي وزمرة العسكر عادوا سريعا لإحكام قبضتهم على مصر في مواجهة ( مَدْيَنَةَ مصر ) العسكرية وتخليصها من حكم العسكر الذي استمر عقودا منذ نجاح ثورة 23 يوليو سنة 1952 وحتى نجاح مرسي في 30 حزيران 2012 الى اعلان العسكر عزله وسجنه بتاريخ 3 تموز 2013 ليقضي سنة واحدة على عرش مصر.
حين يقرر محافظ العاصمة منع صلاة الغائب على روح مرسي امام السفارة المصرية، فانه يتجنب موقفا سياسيا بالغ الأهمية يمكن تفسيره وتأويله بطرق شتى من قوى اخرى ستكون القاهرة في مقدمتها وهو ما لا يرغبه السياسي الأردني، ولا يوصي به الأمني الأردني أيضا، ومن هنا سحب المحافظ شهاب سجادة الصلاة السياسية من تحت أولياء مرسي، وأبقاهم في مكاتبهم السياسية يتقبلون العزاء ويقيمون الصلاة على روح"شهيدهم".
بالأمس تحولت الصلاة الى عنوان سياسي في أزمة سياسية، وليست في حكم المتأكد إن كان قرار شهاب جاء في سياق آخر غير السياق السياسي، وهو السياق الذي تعودنا عليه في التاريخ الإسلامي، وكم من شخصية سياسية وفكرية او حزبية تم منع إقامة صلاة الجنازة عليها، او حصر تشييعها باهل الفقيد، وهو امر قرأناه في صفحات تاريخنا ولا أظنني مطالب هنا بإيراد الشواهد فهي اكثر من ان يحيط المفام بها هنا.
رحم الله الرئيس مرسي فقد ظل عضوا احتياطيا وخيارا ثانيا لدى جماعته وحين صار رئيسا على عرش مصر ظل لاعبا احتياطيا رهن مصر بكاملها للجماعة ولمراقبها العام، ولم يدرك أنه يحكم مصر، ولهذا رأيناه يغازل رئيس الكيان الصهيوني شيمون بيريز، ويعلن قطع علاقاته مع سوريا امام الالاف من مناصريه دون ان يرف له جفن.
مات الرئيس مرسي تاركا خلفه تجربة في حكم الإسلام السياسي لم تستمر أكثر من سنة ، لكنها كانت كافية للتأكيد على ان الإسلام السياسي لا يملك مشروعا للحكم، وكذلك خصوم الإسلام السياسي الذين يجدون سلطتهم فقط في بغض الديمقراطية وتحريمها، وزج معارضيهم في السجون، أو حتى دفنهم بصمت..