بهدوء
عمر كلاب
ربما يكون المصطلح الذي اطلقه العزيز محمد داودية عن محترفي اشعال الحرائق السياسية والاجتماعية او من اسماهم " الهدامون " , بحاجة الى تثقيف ومثابرة , من أجل فرز الغث من السمين , والتمييز بين النقد الوطني الواجب والضروري لتصويب المسار والمسيرة الوطنية وبين الهدم والتضليل , وأعود الى مصطلح الهدم بعد ان سادت مواقع التواصل الاجتماعي اخبار عن غرق اربعين طفلا في السيل , في الجمعة التي استنشق الاردنيون فيها طعم الاجازة بعد موسم شتاء أكرمنا الخالق به , فبدل التركيز على الطبيعة الخلابة ومساحة الفسحة التي وجدها الاردنيون للترفيه , كانت المحاولات اثبات ان الازمة قائمة , فمن الذي يفسد فسحة الاردنيين ؟
وحتى لا يكون المصطلح صرخة في بئر , يجب منهجته والقاء الضوء عليه مرات كثيرة , وليس في مواسم الازمة كما هي العادة الاردنية , واول خطوة هي تعريف الهدامين , حتى لا يتم الخلط بينهم وبين المعارضة الوطنية سواء الحزبية منها او الحراكية , لأن اصحاب السواد الفكري سيسعون الى اجهاض المصطلح , إما بزجّ المعارضة الحزبية والحراكية فيه او بتوسيع دائرته لتخفيف التركيز عنهم , فملعقة الشاي ناجحة مع كاسة الشاي لكنها بدون اثر في الابريق نفسه , لذلك وجب التمييز ووجب التركيز , فمن يجلس خلف شاشة صمّاء يبتكر الاشاعة او يروجها لا يمكن مقارنته بالحزبي او الحراكي الذي يخرج في مظاهرة او وقفة معلنة وواضحة المعالم والتفاصيل .
اول هجمة لمنظومة الهدم كانت على صاحب المصطلح ودلالته وبأنه مستوزر وطامح بالعودة الى الحكومة , فهل بات من العيب ان يسعى سياسي شغل مواقع سياسية وزارية وديبلوماسية مثل محمد داودية الى الموقع الوزاري ؟ أم ان العيب الكبير ان يصمت ويجلس في بيته ساكنا كما جلس كثيرون ممن جلسوا على مقاعد المسؤولية , ولا يتحدثون الا اذا كانوا على السرج , أظن ان العيب ان يصمت السياسي ويهرب من المواجهة , وليس العيب في ان يبادر ويتحرك في كل فضاء ممكن , وأن يوسع دائرة حركته لتصل الى الامصار والتخوم وان يسعى الى لقاء الجميع لمزيد من الثقافة والمعرفة والاحساس بهموم الناس , ثم نحاكمه على برنامجه وطرحه ومدى توافق هذه البرامج مع هموم الناس , وللانصاف يسجل لداودية هذا النشاط كما يسجل لسمير الحباشنة اشتباكه المجتمعي والسياسي ولرئيسي الوزراء الاسبقين سمير الرفاعي وعبد الرؤوف الروابدة , طبعا طاهر المصري لم يغب عن المشهد ولربما هو الوحيد المشتبك يوميا .
ثاني الهجمات او بالتزامن كانت على المصطلح نفسه , وكأن فكرة المصطلح تزويق الواقع او اخفاء النواقص والعيوب , وهذا ليس صحيحا , وهنا دور المعارض وحاجته الوطنية , التي تستوجب خلق المعارض ان لم يكن موجودا , فالماء الراكد آسن , وقلة الحركة تُصيب العضلات والمفاصل بالتكلس وهذا دور المعارض , الذي يبحث عن مكامن الخطأ ويسعى لعلاجها او القاء الضوء عليها اذا كان لا يمتلك حلولا , لكنها حركة في الملعب الوطني ولصالحه , وليست من اجل تكسير الهمم , فالمعارضة تقول بالفم الملآن موقفها , وتدعم النهج الايجابي وتعززه دون خجل او وجل , ودون تكسير للهمم كما يفعل الهدامون , ونحن نعلنها جهارا ان لدينا الكثير من النواقص والكثير من الاختلالات , لكن لدينا ايمان يقيني بأن الاردن باق وانه قادر على اجتراح الحلول والتعافي من كل ازماته بإرادة شبابه وشيبه ونسائه ورجاله , وأن معول البناء هو الشعار وأما الهدم فسيكون لكل ما هو خطأ او يحاول تكسير همتنا الوطنية ودفاعنا عن الاردن وسيرورته وتاريخه ومواقفه القومية العظيمة .//