قوش تخلى عن أستاذه ولعب على كل الحبال
الخرطوم ـ وكالات
استقالة صلاح قوش من منصب رئيس جهاز الأمن والاستخبارات الوطني في السودان، تعني سقوط واحد من أركان النظام السابق والذي كانت الازدواجية السياسية من أبرز سماته.
ينتمي قوش إلى الحركة الإسلامية السودانية، أحد روافد جماعة الإخوان المسلمين، وكان مسؤولا عن جهاز المعلومات الخاص بالتنظيم في الجامعة.
بعد "انتفاضة أبريل" 1985 التي أطاحت بنظام جعفر النميري وأتت بالإسلاميين للحكم في عهد رئيس الحكومة الصادق المهدي، ثم انقلاب عمر البشير عليه عام 1989 بدعم من الجبهة الإسلامية القومية، التحق قوش بجهاز الأمن الداخلي للحزب الحاكم الذي أسسه رئيس الحركة الإسلامية حسن الترابي.
بعدها أصبح ضابطا بجهاز المخابرات، حتى وصل إلى منصب مدير إدارة العمليات، ويُتهم بتأسيس ما عُرف في التسعينات باسم "بيوت الأشباح" وهي سجون سرية استقبلت المئات من المعارضة.
وتمثل الدور الأبرز الذي لعبه في إضعاف الحركة الإسلامية التي ينتمي إليها، فبعدما انصهر العسكريّون والإسلاميون ضمن "ثورة الإنقاذ" نشب صراع جديد على الحكم بين البشير والترابي، واستعان البشير في حربه بقوش، أحد أذرع الترابي بالحركة الإسلامية.
وتمثّل دوره حينها في تقديم جميع الأسرار عن جناح الحركة الإسلامية، في وقت تقدم فيه جناح البشير بتقليص سلطات الترابي، لينحاز قوش إلى البشير ضد أستاذه ويشرف أكثر من مرة على اعتقال الترابي وقيادات حزبه بتهمة التخطيط لانقلاب.
صعد قوش سريعا، وأسندت إليه مهام التنسيق مع "المجاهدين الأفغان" الذين استقروا في السودان برفقة أسامة بن لادن، زعيم القاعدة الذي مكث في ضيافة الحكومة السودانية بين عامي 1990 و1996.
ونتيجة لسياسات النظام، فرضت الولايات المتحدة على البلد عقوبات، وأدرجته على قائمة "الدول الراعية للإرهاب"، لكن ذلك، لم يمنع واشنطن من تعاون استخباراتي مع الخرطوم عقب هجمات 11 سبتمبر 2001، إذ قدم لها معلومات تفصيلية عن الجهاديين العرب و"القاعدة" وساهم بتسليم عناصر منهم للولايات المتحدة.
وكون قوش أحد المطلوبين لمحكمة العدل الدولية، لم يمنعه ذلك من زيارة بريطانيا مرتين عام 2006، لتقديم نفس العرض عن الجهاديين.
ورغم ورود اسمه بالقوائم السوداء المصرية لاتهامه بمحاولة اغتيال حسني مبارك أثناء زيارته لأديس أبابا عام 1996، اعترف قوش لاحقا بأنه قاد ملف عودة العلاقات بين السودان ومصر مع "أبيه الروحي" مدير المخابرات المصرية عمر سليمان.
في 2009، أقال البشير قوش من منصبه، وعينه مستشارا للشؤون الأمنية، وأرجعت الصحف السودانية سبب الإطاحة به الى صراع النفوذ بين أجنحة السلطة، وجاءت الضربة الثانية عام 2011، حين أقيل من منصبه، ثم اُعتقل بتهمة التخطيط لانقلاب، والتآمر على الدولة.
ومع تصاعد الاحتجاجات بالسودان مطلع 2018، اضطر البشير مُرغمًا إلى الاستعانة بشريكه القديم اللدود، وأعاده لمنصب مدير المخابرات، وحينها تمكن قوش من قمع المعارضة وإخماد الانتفاضة، وتعامل مع الاحتجاجات الأخيرة بنظرية المؤامرة، إذ اتهم الموساد بتجنيد 280 عنصرا لإثارة الفوضى في السودان.
كما اتهم قوش في نهاية يناير قوى اليسار بالسعي لتطبيق مشروع السودان الجديد، معتبرا أن هناك "5 جيوش تنتظر لتتقدم نحو الخرطوم بعد إشغالها بالفوضى".
وتزامنا مع هذه التصريحات أصدر قوش، أمرا بإطلاق سراح المعتقلين على خلفية موجة الاحتجاجات الأخيرة، لكن هذه السياسات ومحاولات اللعب على كل الحبال لم تنقذ البشير من السقوط ولا قوش من فقدان منصبه، ليبقى في انتظار ما يحمله الواقع الجديد.