قمم البؤس العربي

نبض البلد -

بلال العبويني

لم تعد القمم العربية تعني شيئا للمواطن العربي منذ زمن بعيد، وهي كذلك أيضا بالنسبة للدول المستضيفة للقمة والتي تنظر للإنجاز من زاوية قدرتها على حشد أكبر قدر من الزعماء العرب لحضور أعمال القمة فقط، ودون النظر إلى المحتوى أو إلى البيان الختامي الذي يعلم الجميع أنه غير قابل للتطبيق.

وقدرة الدولة المستضيفة على حشد أكبر عدد ممكن من الزعماء يتوقف على مدى نفوذ هذه الدولة في الوطن العربي بدرجة كبيرة، وبدرجة أقل بمدى قدرتها على تصفير المشاكل مع أقل عدد ممكن من الدول الشقيقة، وهذا النوع من الدول بات اليوم شبه معدوم للأسف، فكل الدول العربية تتنازعها المشاكل والخلافات البينية من كل حدب وصوب.

على العموم، البيانات الختامية للقمم العربية واحدة وبإمكان الجميع توقعها قبل انعقاد القمة بأشهر طويلة، فهي ذاتها تقريبا مع بعض التغييرات التي تتعلق بالأولويات فقط، غير أن ما يمكن الإشارة إليه هنا هو الدور الذي من المفترض أن تقوم به الدولة المستضيفة التي تترأس القمة لعام مقبل.

دور رئيسة القمة يكمن في ضمان تنفيذ ما جاء في البيان الختامي من توصيات، غير أن هذا الدور مغيب تماما ولا يكاد يشعر المراقب بأي جهد مبذول من الدولة الرئيسة والتي من الممكن أن تتعمق خلافاتها مع غيرها من الدول العربية خلال سنة رئاستها للقمة.

غير أن الإنصاف هنا يجعلنا نؤشر على ما قامت به الأردن خلال رئاستها لأعمال القمة العربية في البحر الميت قبل عامين، حيث نجحت أولا في إعادة القضية الفلسطينية إلى موقع الصدارة حيث مكانها الطبيعي.

في الواقع حملت الأردن هذا الملف منذ زمن طويل وما زالت، فالقضية الفلسطينية مركزية بالنسبة للمملكة ولا جدال في ذلك، فالجهد واضح للجميع، بل إن أبرز التحديات التي تواجه الأردن حيال الملف الفلسطيني يكمن في تخاذل بعض العرب الذين لم يعودوا يرون بالقضية الفلسطينية على أنها أولوية، وقد خرجت تصريحات في وقت سابق من مسؤولين عرب تشير إلى ذلك.

جلالة الملك، يصر في قمة تونس كما غيرها من محافل عربية وإقليمية ودولية على أن تبقى القضية الفلسطينية مركزية وأن تظل شاغلة للوجدان العربي، وهذا الموقف ليس شعارا يقال هكذا على الهامش بل هو واقع يومي أردني مُعاش نابع عن الخطر الحقيقي والمحدق بالقضية الفلسطينية والقدس وما يُحاك ضدها في ليل حالك دون أن يكون هناك مواقف عربية جادة وحاسمة للدفاع عن القضية الفلسطينية أو حتى إبقاءها في موقع صدارة الأولويات العربية.

اليوم، إن كان هناك ما يمكن أن نتأمله من رئاسة تونس للقمة العربية، فإنه يكمن في الإبقاء على القضية الفلسطينية حاضرة وفي مواصلة الزخم إلى جانب الأردن خلال العام الماضي للتصدي لأي مخططات تسعى لإنهاء الحق الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وفقا لما تم الاتفاق عليه في قمة بيروت العام 2002.

قمة تونس جاءت محبطة من حيث قدرتها على تجسير الهوة بين الدول العربية وفي عدم قدرتها على لم شمل العرب مع سوريا بعد فراق مستمر منذ أزيد من سبع سنوات، لذلك عليها أن تسجل اختراقا بوقوفها إلى جانب الأردن للتعاون في حمل الملف الفلسطيني إلى المحافل الدولية وحفاظا على أن تظل القدس ذات هوية عربية إسلامية.

وإلا فإن قمة تونس، ستكون قمة بؤس حالها كحال الغالبية العظمى من القمم العربية.//