رصاصة "اسرائيلية" كادت أن تودي بحياتي لكني نهضت وعدت من جديد
نبض البلد ـ رام الله
لا يأبه محمد كثيرا بالأجواء الباردة، ولا الأمطار التي هطلت بغزارة فوق كشكه الصغير، وأغرقت الشوارع المحيطة به بحي المصايف بمدينة رام الله، يستمر في إعداد القهوة والمشروبات الساخنة لزبائنه دون كلل، فهو لغاية اليوم لا يصدق أنه علىقيد الحياة، ويسير على قدميه.
يحمي محمد زيادة (23 عاما) رأسه بقبعة، وجسده بمعطف سميك يقيه من البرد القارس، تعينه يده اليسرى على إعداد المشروبات لشبان تجمعوا لشراء ما يرغبون، دون أن يتذمروا من الوقت الطويل الذي يستغرقه محمد في الإعداد، فهم باتوا يعرفون وضعه الصحي واعتماده على يده اليسرى، لأن اليمنى مصابة بالشلل.
لم يكن هذا وضع محمد قبل 7 تشرين الثاني/ أكتوبر عام 2015، فحاله تبدلت بفعل رصاصة كادت أن تودي بحياته أطلقتها عليه وحدة إسرائيلية خاصة "المستعربين"، تخفت بزي عربي عند المدخل الشمالي لمدينة البيرة، خلال مواجهات اندلعت بين الشبان وجيش الاحتلال الإسرائيلي.
حينها اندس "المستعربون" بين الشبان وأطلقوا رصاصة على محمد المنحدر من قرية بيتللو، أدت إلى تهشم جمجمته، بعد أن أبرحوه ضربا بالآلات الحادّة، ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بسحله وجرّه لمسافة طويلة نحو أحد الجيبات العسكرية وهو ينزف.
نقله الاحتلال إلى مستشفى "هداسا" بمدينة القدس المحتلة، نظرا لخطورة وضعه الصحي، حينها أبلغ الأطباء عائلته بأنه قد يفارق الحياة في أية لحظة، وإن عاش فإنه لن يستطيع الوقوف على قدميه مجددا كونه سيعاني من الشلل، كما أنه سيواجه مشاكل في الإدراك والنطق وفقدان جزئي للذاكرة.
أمضى محمد في المستشفى بضعة أسابيع، كان حينها رهن الاعتقال، ليصدر الاحتلال بعدها قرارا بالإفراج عنه، جرى بعدها نقله إلى رام الله لاستكمال العلاج، في رحلة شاقة ومضنية، ومنه إلى جمعية بيت لحم العربية للتأهيل لاستكمال العلاج الذي استغرق أسابيع أخرى ليستجيب محمد وبوقت قياسي للعلاج، ويقف بصعوبة على قدميه مجددا.
في العام 2016 أجرى محمد عملية لزراعة عظام لجمجمته في عمان، ثم عاد إلى رام الله ليستكمل رحلة العلاج التأهيلي في مركز خليل أبو ريّا، حينها بدأ نطقه بالتحسن، واستعاد شيئا من ذاكرته وبات قادرا على تمييز الأشياء وإدراكها.
وبينما هو يستمر بتحضير القهوة قال: "قالوا لي لن أمشي مجددا وبقيت أتعالج حتى مشيت، صحيح أنني الآن أمشي بصعوبة بسبب الشلل لكنني مشيت ولم أمت، ثابرت على العلاج وتناولت الدواء بانتظام، لا أصدق أني ما زلت على قيد الحياة".
أربع سنوات مرت على إصابة محمد ما زالت تترك أثرها بقوة على جسده، حيث يعاني من الشلل النصفي وركاكة في المشي، وبروز في عظام الرأس ناحية عينه اليمنى، لكن شغفه بالحياة دفعه لعمل مشروع صغير يناسب وضعه الصحي، حيث أسس كشكا صغيرا لإعداد القهوة والعصائر والمشروبات الساخنة والباردة.
"لا أريد أن ألازم المنزل وأبقى حبيس جدرانه، بعد الإصابة بفترة صرت أسهر ليلا وأنام نهارا، شعرت بأن لا جدوى لي في الحياة، ومن يعرفني عن قرب يلمس حبي لها ورغبتي في العمل، أنا قمت من الموت وحاربته، قررت أن أنهض وأعمل من جديد".
يرفض محمد ركوب المصاعد الكهربائية عندما يقوم بإيصال القهوة إلى زبائنه في البنايات المحيطة بكشكه "أفضل صعود الدرج مهما كان، لأنني لا أصدق أني تحسنت وأمشي على قدمي، ولأن الطبيب أخبرني أن ذلك يبقي عضلاتي حيوية وتتحسن أكثر مع مرور الزمن، في البداية واجهت صعوبة بحمل صينية القهوة لكن بعدها اعتدت على ذلك".
يرفع محمد دلة القهوة على النار، مضيفا إليها البُن، بيد ترتعش ليس بسبب البرد، بينما لا يزال الناس يأتون تباعا لشراء القهوة منه.