وليد حسني
في سنة 2004 كنت وعدد من الزملاء الصحفيين نجيب على استطلاع رأي لإختبار تصوراتنا كإعلاميين للمستقبل الاقتصادي الأردني، وما هو أبرز ما يمكن ان تركز الدولة عليه في مجالات الانتاج والاستثمار، وكان من بين أسئلة الإستطلاع العديدة سؤال عن تلك الأولويات وكان من بينها بالطبع، البرمجيات، والخدمات، والسياحة، والزراعة..الخ.
أذكر ذلك جيدا بالرغم من انني نسيت اسم الجهة التي كانت تجري ذلك الإستطلاع كما أنني لا أذكر أنني اطلعت على نتائجه.
تذكرت ذلك بالأمس وأنا اقرأ مقالة ابراهيم سيف "الهوية الجديدة للإقتصاد الأردني" التي نشرتها الغد الغراء، فقد بدا المقال لي لافتا ومهما، وأعادني لإستذكار ما أشرت إليه سابقا.
يعتقد الاستاذ سيف ــ مع موافقتي الشديدة له ــ أن الإقتصاد الأردني لا يزال بدون هوية واضحة، فلا هو اقتصاد صناعي، ولا هو زراعي ، ولا هو خدماتي، أو سياحي وهو خليط من هذا وذاك مما منعه من ان يكون بهوية خاصة يعرف بها في اسواق الاقتصاد والاستثمار العالمية، ضاربا بذلك أمثلة من الهند، والصين وكوريا والامارات.
وما عالجه سريعا الاستاذ سيف في مقالته أمس كان في صلب التوقعات والاحتمالات قبل 15 سنة حين كنت وأمثالي نجيب على اسئلة استطلاع كنا معه نتوقع ان يتميز الاقتصاد الأردني اولا بالبرمجيات وخدمات الكمبيوتر ثم قطاع الخدمات والسياحة..الخ.
ظل الإقتصاد الأردني تائها تماما خلال العقود الماضية، بالرغم من أنه كان يمتلك ميزات عديدة تسمح له بدخول سوق المنافسة والإستقطاب الاستثماري والتميز خاصة وان لديه بنية مدربة من الأيدي العاملة والخبرات الكافية لحمل أية مشاريع استثمارية في هذا الجانب دون عناء، إلا ان ما جرى خلال تلك العقود من تراجع في مستوى التعليم، وانحدار في انتاج اقتصاد المعرفة، وتأخر إصلاح البنية القانونية والتشريعية لخلق مناخ قانوني سهل وآمن، تكاتفت كلها لتبقي اقتصادنا الوطني بدون ملامح واضحة تسمح له بالتميز وتسمح له بامتلاك صبغة إنتاجية يعرف بها في اسواق المال والاعمال وأسواق الاقتصاد والإستثمار.
ولست هنا بصدد التوسع في التفاصيل لضيق المكان إلا أن من المهم الإلتفات باهتمام الى ما يتوجب على الدولة والحكومة التركيز عليه وهو التوجه الى القطاعات الخدماتية بما فيها السياحة، وان تتخلص تماما من خنق الاستثمار السياحي بتخوفات السياسي.
مقالة الأستاذ سيف في جريدة الغد أثارت ذكريات لا زالت رطبة عن امنيات وتوقعات كانت قبل 15 عاما مضت وكانها حقائق نكاد نمسكها باليد قبل ان تختنق كل تلك التوقعات ونعود الى المربع الأول بالاعتياش على اقتصاد المعونات وليس اقتصاد الانتاج والإبداع، وها نحن اليوم نحصد نتائج هذا التراجع المقيت..//