بلال العبويني
ثمة ثلاثة تصنيفات للمسؤولين السابقين، الأول ينزوي وكأنه ليس موجودا فلا تكاد تجد له رأيا في الشأن العام سواء أكان إيجابا أو سلبا بعد أن يخرج من الخدمة.
والثاني يشارك في النقاش العام ويقدم رأيا معتدلا ذا قيمة، لكن هؤلاء للأسف قلة وعملة نادرة، ولا تكاد تجد لهم أثرا أو تأثيرا.
والثالث جلاّد في نقد المسؤولين والحكومات وقراراتها ومنقب ممتاز عن أخطائها ومثالبها، وكأنه كان المُخلص إبان كان وزيرا أو رئيسا أو مسؤولا عاملا.
التصنيف الأول من الممكن إدانة بعض المسؤولين فيه بما يساهمون فيه من حرمان العامة من رأي سديد معتدل وصادق فيما تراكم لديهم من علم وخبرات، فيما التصنيف الثالث تجب محاكمته بما يساهم فيه من إغراق المسؤولين العاملين في بحر من المشاكل بحثا عن موطئ قدم يعيده إلى واجهة المسؤولية.
بعض من يندرج في التصنيف الثالث، كان ضعيفا إبان عهده بالمسؤولية، وربما لم يترك أثرا خلفه يشار إليه بالبنان، لكن جنون المسؤولية والوجاهة تستحكم على عقولهم وسلوكهم، فتراهم يحركون أدوات لهم لتسليط الضوء على أخطاء أو هفوات أو ضعف المسؤولين العاملين لتشكيل رأي عام ناقم.
فيما مضى، استمعنا إلى تصريحات من بعض المسؤولين السابقين تنتقد آلية التوزير، وفي الحقيقة مثل هؤلاء جاءوا بنفس الطريق، بل وساهموا إبان كانوا في الواجهة بتوزير شخصيات بحكم الشلة والقرابة على الرغم من أن العامة لم تكن تعرف أيا منهم.
بل إن بعض أولئك، عندما سئل بعد خروجه من الخدمة عن سبب مشاركته في الحكومة كانت إجابته واضحة دون خجل لـ "تحسين الراتب التقاعدي"، وآخرين اعتبروا مشاركتهم بالحكومة "غلطة وندم عليها".
مِن هؤلاء منْ يتناول قرارات الحكومات بنقد شديد معلنا أنه كان معارضا لمثل هذه القرارات إبان كان وزيرا، رغم أن أحدا لم يعلم أو يشعر بمعارضته، هذا من جانب.
ومن آخر، مثل هذه المعارضات المزعومة داخل مجلس الوزراء مثلا، لا يؤخذ بها ولا تُعد معارضة على اعتبار أن قرارات الحكومة تصدر باسم مجلس الوزراء كاملا، هذا فضلا عن أنه لم يسبق أن علم أحد أنه صدر عن مثل أصحاب هذا القول موقف يعبر عن معارضتهم كالاستقالة مثلا، بل ظل أصحاب هذا الطرح وزراء إلى أن انتهى عمر الحكومة أو خرجوا منها بتعديل وزاري.
على أي حال، ثمة خلل لدينا فيما نحن أمامه من مشهد، عندما يكون المسؤولون السابقون جزءا رئيسيا من الأزمات التي نعايشها، وذلك عندما نكون أمام ضعف مستحكم إبان وجودهم في المسؤولية وعندما نكون أمام إنزواء غريب لمن نتوقع منهم أن يقدموا رأيا سديدا وخبيرا، وعندما نكون أمام مسؤولين سابقين يسعون للعودة إلى سدة المسؤولية بطرق وأدوات غير شريفة وغير وطنية البتة.
أصحاب التصنيف الأول، كان يجب أن يحاكموا بما يبدونه من تنكر وتخل عن الدولة التي قدمت لهم أكثر مما يستحقون، فيما أصحاب التصنيف الثالث كان يجب أن يحاكموا بما يمارسونه من نقد هدّام يضر الدولة والمواطنين أولا وأخيرا.//