م. هاشم نايل المجالي
الثعلب اذا اشتد به الجوع فانه من شدة دهائه يستلقي على ظهره ويحتبس نفسه الى داخل بدنه حتى ينتفخ ، فيظن الطير انه ميت فيقع عليه فيثب الثعلب على الطير ويأكله ، انها وسيلة من وسائل الثعلب للصيد لسد جوعه فالجوع يجعل من الانسان مفكراً ومبدعاً لكيفية الحصول على الصيد ، كذلك تعمل الحكومة على وسائل واساليب وطرق وقوانين من خلالها تسد جوع ميزانياتها من العجز المالي .
ولقد اصبح القول ان للبشر حقوقاً من جهة وواجبات من جهة اخرى انما هي كلمات لا تعبر سوى عن فروقات في زاوية الرؤية من اجل تحقيق الغايات ، حيث اصبح هناك انغماس فكري وفق التأملات لما يجري على الساحة الداخلية ، دون التفكير العميق لما يجري على الساحة الخارجية من خطط ومشاريع تنهش جسم الوطن .
فنحن نعيش دوماً في جدل عقيم في كثير من القضايا الداخلية ، من قضايا فساد وقضايا اخلاقية وقضايا صدامية عنفية ، وتتوالى الحراكات فالعولمة الاختراقية مارست سياسة الاقتلاع النفسي بتدمير الاقتصاد الوطني وتفكيك الثقافة الوطنية والقيم والمباديء والاخلاق النبيلة ، من اجل ان تجد التجذر في المجتمعات حتى تصل الى مرحلة الاعلان بالواجبات لكل مواطن والتي يجب ان يلتزم بها ، وتنسجم مع معطياتها وتغيرها مستقبل الحياة بعد السيطرة على الاعلام الجماهيري ووسائل التواصل الاجتماعي وتوجيه البوصلة لخدمة اجنداتها الخاصة .
وفي ظل من يتدخل من المسؤولين ذوي المصالح المشتركة واللوبيات في خطوات تجذيرها بطرق مباشرة او غير مباشرة ، واصبحت العلاقة بين الانسان المواطن والانسان المسؤول تحمل المعنى السلبي اكثر منه الايجابي ، بعد ان اصبح الكثير من الشباب العاطلين عن العمل مجرد رقم في بطاقة وصورة في جواز سفر انتهت صلاحيته ، بعد ان اصبح يسير كسيحاً في وطنه بلا هدف ولا خطة ولا خريطة يحلم على جناح احلام لا تتحقق بعد ان اصبحت أفيونه اليومية عندما يتواجد على ابواب المسؤولين يستجدي الوظيفة ، وتحول بذلك الى الة تحسن لمن يريد ان يريدها او يستهلكها دون ان يدخل في قاموسه الفكري معنى الانتاج والابداع وزيادة المعرفة ، فهو لا يعرف ماذا ينتظر من مهنة او وظيفة فلقد اصبح يحسن الانتظار وله نفس طويل ومن الممكن ان ينتظر العمر كله .
وكلنا يعلم ان التنمية المستدامة بمفهومها العلمي مدخل لبناء الدولة وافقها الحضاري واي شذوذ عن هذا المنحنى يعتبر ايذاناً لدخول اي دولة في نادي الدول الفاشلة تنموياً ، وتصبح هناك لحظات حرجة يمر بها عندما يفشل في تطوير البنية التحتية لمواجهة الظروف الجوية والازمات غير الاعتيادية مبرراً ذلك بالعجز المالي .
فالتنمية اسلوب ومضمون يسعى الى احداث تغيرات بنيوية وهيكلية سمتها التحضر وخلق فرص عمل حتى لا نخسر شبابنا بعد ان اصبح بعضهم مجرما بالفطرة ، بسبب الصفات الارتدادية لما يعانيه من انخفاض في درجة الاحساس الوطني لشعوره بالالم والجوع والاندفاع في التصرف السلبي منسجماً مع افكاره السلبية ، حيث اصبح هناك سلوك اجرامي ، وهذا يستدعي وضع استراتيجية يشارك فيها كافة الاجهزة الحكومية الرسمية وكافة القطاعات الخاصة والاهلية ، لان ذلك يشكل خطراً عليهم فالحراكات الاجتماعية تسعى للتأثير على الحكومة من اجل اجراء تغيرات جذرية لتحقيق العدالة لجميع فئات الشعب دون تمييز ، لان مختلف الازمات مرتبطة ببعضها البعض في حلقات متسلسلة ادت الى الغموض في الحياة الاجتماعية لتجعل هناك لا وعي جمعي واضطراب فاعل لدى الكثيرين ، بعد ان تكشف كل فكرة قضية فساد .
فتغيرت الموازين بين الطبقات المجتمعية وها نحن نشاهد الشباب ينبطحون على ظهورهم مع كتم انفاسهم بحثاً عن وظيفة تسد جوعهم ، فهل اصبحت الحضارة التي نتحدث عنها فقط نظرية وغير مرئية ام ان هناك رؤية مستقبلية نسعى جميعاً لتحقيقها .//
hashemmajali_56@yahoo.com