نبض البلد - الكاتبه والدكتوره ماجده ابراهيم زيدان
ماذا فعل الإنترنت في جيل الشباب؟ بين التطوّر والاعتماد وأحكام الفشل المعلّقة
شهد العالم خلال العقدين الماضيين تحولًا جذريًا مع دخول الإنترنت إلى تفاصيل الحياة اليومية، حتى بات جزءًا لا يتجزأ من تكوين المجتمعات الحديثة. وفي قلب هذا التحوّل يقف الشباب، الجيل الأكثر ارتباطًا بالشبكة الرقمية والأكثر تأثّرًا بها. وبين من يرى أنهم جيل متطور يمتلك فرصًا لم يحظَ بها من سبقوه، وبين من يعتقد أنهم أصبحوا أكثر اعتمادًا على الإنترنت لدرجة العجز عن ممارسة الحياة الواقعية، يبقى السؤال مطروحًا: ماذا فعل الإنترنت في الشباب؟
لا يمكن إنكار أن الإنترنت أتاح للشباب آفاقًا واسعة من المعرفة والتعلّم الذاتي، وفتح أمامهم أبوابًا مهنية وتعليمية لم تكن ميسّرة سابقًا. فقد أصبحت الدورات الأكاديمية، والكتب الإلكترونية، والمنصات التعليمية العالمية متاحة بضغطة زر، مما منحهم فرصة تطوير مهاراتهم دون الحاجة إلى حضور مؤسسات تقليدية أو الالتزام بجغرافيا معيّنة.
كما ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي والعمل عن بُعد في توفير مسارات اقتصادية جديدة؛ فظهرت مشاريع رقمية صغيرة، وروّاد أعمال بنوا أعمالهم من منازلهم، وآلاف الشباب الذين وجدوا في العالم الافتراضي وسيلة للوصول إلى جمهور محلي وعالمي في آن واحد.
إلا أن هذا التقدّم لم يخلُ من آثار جانبية. فقد أدّى الاعتماد المفرط على الإنترنت إلى تراجع بعض المهارات الحياتية، وفي مقدمتها القدرة على التركيز والمثابرة، وكذلك المهارات الاجتماعية الناتجة عن التفاعل المباشر بعيدًا عن الشاشات. وبين البحث السريع عن الإجابات الجاهزة، والاستهلاك المتواصل للمحتوى سريع الإيقاع، نشأ نمط جديد من التعلّق بالتكنولوجيا، يُصعّب على البعض التكيّف مع متطلبات الحياة الواقعية.
وتبرز هنا إشكالية أخرى: فقد أصبح الإنترنت لدى جزء من الشباب وسيلة هروب بدل أن يكون وسيلة بناء، ومصدر مقارنات اجتماعية سلبية بدل أن يكون بابًا للتطور.
يتم تداول تعبير "الجيل الفاشل" بكثرة في الخطاب الاجتماعي، وكأنه حكم نهائي على واقع الشباب. لكن المشهد أكثر تعقيدًا من ذلك. فالأمر لا يتعلق بفشل جيل بقدر ما يتعلق بعالم تغيّر بسرعة تفوق قدرة الأسر، والمدارس، وسوق العمل على مواكبته. إن وصف الشباب بالفشل قد يكون أحيانًا محاولة مبسّطة للهروب من مسؤولية مواكبة هذا التحوّل وتأطيره.
الشباب اليوم لا يفتقرون إلى القدرات، بل يحتاجون إلى توجيه تربوي يتناسب مع واقعهم الرقمي، وسياسات تعليمية تواكب طبيعة الوظائف الجديدة، وفهم اجتماعي يبدّل لغة الاتهام بلغة الحوار.
خلاصة
الإنترنت لم يصنع جيلًا خارقًا ولا جيلًا عاجزًا، بل قدّم أداة محايدة؛ تمنح قوتها لمن يحسن استخدامها، وتكشف ضعفها لمن يسيء توظيفها. ويبقى الفارق الحقيقي في الوعي، وفي قدرة المؤسسات والمجتمع على تحويل الإنترنت من مجال للاستهلاك إلى مسار للإنتاج.
إن طرح السؤال ما زال ضروريًا:
هل نعدّ الشباب للتعامل مع الإنترنت بوعي وكفاءة؟ أم نتركهم ليخوضوا معركتهم وحدهم ثم نحاسبهم على نتائجها؟
الكاتبه والدكتوره ماجدة ابراهيم زيدان