التأمين حين يصبح عبئاً لا حماية

نبض البلد -
بقلم : هاني الدباس

في الوقت الذي تُطرح فيه برامج تأمين وعلاج السرطان بوصفها أدوات تكافل اجتماعي وحماية صحية، يأتي قرار رفع أجرة التأمين الصحي ثلاثة أضعاف ليفتح الباب امام قضية شائكة تستحق النقاش، ليس من زاوية الكلفة فحسب ، بل من خلال الأثر المباشر على التغطية، والاستدامة، وتلمس العدالة .

ان القفزة الكبيرة من 40 ديناراً إلى 120 ديناراً كإشتراك سنوي يمثل عبئاً مالياً ضاغطاً ، خصوصاً على الشركات المتوسطة والصغيرة.
هذه المنظومة من الشركات كانت تشكّل العمود الفقري للتغطيات التأمينية بين الموظفين، مع هذا الارتفاع المفاجئ، من المتوقع أن تتوقف نسبة غير قليلة منها عن دفع الاشتراكات لموظفيها، أو أن تقلّص عدد المشمولين بالتغطية ما سيؤدي منطقياً إلى انخفاض في قاعدة المشتركين .
ان تراجع حجم الاشتراكات الإجمالي يتعارض مع الهدف الأساسي لأي برنامج تكافلي يقوم على توسيع القاعدة لا تضييقها.

من المتوقع ايضا ان يتعدى اثر القرار على الشركات فقط، بل سيمتد إلى فئة عمرية حساسة ما بين 21 و59 عاماً، وهي الفئة الأكثر نشاطاً في سوق العمل، والأكثر عرضة لتحمّل كلفة التأمين ذاتياً في حال عدم شمولها، ومن شأن استبعاد هذه الفئة أو عدم تغطيتها بشكل عادل خلقُ فجوة غطائية خطيرة، لأن الإصابة بالسرطان لا ترتبط بعمر معين، بل بظروف صحية وبيئية متداخلة.
الأخطر من ذلك أن هذا الاستبعاد سينعكس بشكل أكبر على أبناء المحافظات، حيث الدخل الاقل، والخيارات العلاجية المحدودة، إضافة إلى الصعوبات التي تواجه هذه الفئة في الوصول للمراكز الطبية في الوقت المناسب .

كما ان إيقاف الإعفاءات بشكل متزامن سيزيد المشهد تعقيداً، فالإعفاءات لم تكن ترفاً، بل أداة توازن اجتماعي تضمن شمول الفئات الأقل قدرة، وتعظم الجانب الإنساني للبرنامج.
ان هذا التزامن من شأنه تحويل التأمين من مظلة حماية جماعية إلى خدمة نخبوية، وهو ما يعكر جوهر التكافل التي بُنيت عليها هذه البرامج منذ البداية.

اقتصادياً ، لا يعني رفع الرسوم بالضرورة رفع العائد كما يُخيل للبعض ، ففي أنظمة التأمين، ترتبط الاستدامة بالانتشار الواسع وتوزيع المخاطر، لا بتحميل الكلفة على عدد أقل من المشتركين ، وعليه فإن تقليص الشمول سيؤدي إلى عائد أقل، وضغط أعلى على النظام، وربما الحاجة إلى زيادات جديدة مستقبلاً، لندخل في حلقة مفرغة يدفع ثمنها المواطن وصاحب العمل معاً.

النقاش هنا ، لا ينكر أهمية تطوير البرامج أو تحسين الخدمات، ولا يتجاهل الكلف العلاجية الباهظة ، لكنه يستدعي مقاربات أكثر توازناً تراعي قدرة السوق، وتحافظ على شمول الفئات العمرية المنتجة، وتعيد النظر في الإعفاءات كأداة عدالة، لا كعبء مالي. فالتأمين الصحي، خصوصاً في ملف السرطان، ليس رقماً في معادلة مالية، بل قراراً يمس الأمن الصحي والاجتماعي للبلد بأكمله.