نبض البلد - بغيابه بدأت رحلتي مع الحياة ومسؤولياتها
عمر الكعابنة
الأب تذكره في المواقف الصعبة، والجميلة على حد سواء، تذكره بالصعبة لأنك لم تكن تهتم بشيء في هذه الحياة حينما يكون فيها، ولا يشغل بالك سوى احتياجاتك اليومية وتفكيرك الأبله حينما كنت بلا مسؤولية تذكر.. بعد رحيله تكبر فجأة وتصبح مسؤولًا عن نفسك لأول مرة، بعد حياة كاملة بلا حمل ثقيل أو حتى صغير، همك نفسك تسليك، وتحقيق بعض من طموحك.
في الفرح والإنجاز تفقد فخره بسمته دموعه الخفيه، رقصه، هزله، وقفته معك بكل ما يحمل من قوى، تحقق القليل في حياتي فلم أجده فنقصت تلك الفرحة وذلك الإنجاز! لكن هذا قدر الله ولا نكران لذلك،
والدي رحمه الله لم يحملنا مسؤولية ولم يكن متطلبًا، حتى حينما كان يطلب مننا أو مني شي ما لأنجزه ، وقد تستغربون ذلك! يطلبه على مضض واستيحاء، كان همه أن نتعلم في المقام الأول والأخير، وكان له طموح خاص ذكره لي قبيل وفاته بأيام بأن أصبح في يوم ما دكتورًا جامعيًا، لكن يبدو أن هذا الحلم لم ولن يتحقق ، على الرغم من أنني استنفذت 18 ساعة من دراستي للماجستير لكنني توقفت، فالوضع تغير والأولويات اختلفت تمامًا، فمن كان يستطيع بعد الله عز وجل على تحقيق هذا الحلم؟ والدي ولا أحد غيره، فمن غيره يستطيع ذلك!!!
قبل خمس سنوات لم أكن أعرف معنى أن تدفع إيجار بيت، وتُعيل عائلة، وتؤمن قوتها، ما هي الفوط واحجامها والحليب بأنواعه، وأشياء أخرى تعرفونها.. لم أكن أعرف حتى كم سعر كيلو اللحمة ولو من باب الفضول، أو أميز بين الخضرة الناضجة والفواكة المميزة، فوالدي كان يؤمن كل شيء نحتاجه ونطلبه.
بعد وفاته، تغير الحال من حال إلى حال، لكن بقي أثره الطيب وسيرته العطرة، وما زال لكلماته أثر ولتوجيهاته مسار، لم أتخلَّ يومًا عن ذكره، لكن الحياة وقسوتها تحاول تنسيك الذي لا ينتسى! رلكن في الأوقات الصعبة أذكرك أكثر فأنت ذخري الأوحد في مجابهتها، رحمك الله يا والدي وأسكنك فسيح جناته. ،