نبض البلد -
لعل هذا التساؤل هو الأنشط محليا، فلا ينكفئ الفضاء العام من فترة إلى أخرى عن تحميل الساسة سواء أكانوا في الحكومة أو المعارضة بتهم الانقلاب أو التكسب؛ فهذا يعارض طلبا للترضية وذلك حصل عليها بعد معارضته والثالث عاد إلى خندق المعارضة بعد مناصب رفيعة تقلدها، وبهذا تبقى حلقة الجدل دائرة: من المعيب في هذا؟ ولماذا يعاب؟
بداية علينا الاتفاق أن وجود الشخص في صفوف المعارضة لا يفقده الحق في تولي الأمور العامة؛ فالأصل أن هدف المعارضة هو المشاركة في الحكم وفرض سياساتها وخططها، بل إن تداول السلطة بين التيارات المتضادة هو السمة الرئيسة في الدول الديمقراطية الحديثة، عداك عن كون المعارض الأردني -وخصوصا وقتنا الحالي- معارض لبعض السياسات العامة والقرارات، فلا يندرج تحت خانة الإسقاطيين أو منكري حق الدولة في الوجود، بالتالي لا يمكننا اعتبار ولوجه إلى الحكم انقلابا منه على ما يؤمن.
وللمزيد من الموضوعية فيجدر بي الإشارة إلى ضرورة دراسة كل حالة على حدا، فهل طبق المعارض الذي انتقل إلى المناصب أفكاره وبرامجه؟ أو هل كان يملك في الأصل مشروعا واضح الأركان أم أن فترة معارضته كانت مقتصرة على الجعجعة لأجل الجعجعة؟ ولا يفوتنا ضرورة البحث في مدى انقلاب هذا المعارض الفكري، بل وتغير أيدولوجيته بكليتها في بعض الحالات، فلا يمكننا -مهما اجتهدنا- أن نسوغ تغير منطوق نفس الرجل من تخوين كل شيء إلى التصفيق له في أسابيع قليلة من تذوق حلاوة السلطة!
أما في الشق الثاني حيث التحول من تولي المناصب إلى صفوف المعارضة فالأصل فيه قياسه على آداء المسؤول نفسه، فهل وافق فعله أثناء توليه منصبه مطالبه بعدها؟ أم أنه يطالب بما لم يعمل؟ فلا يمكننا تخوين المسؤول لأنه مارس السياسة بشكل حر بعد انفكاكه عن السلطة، فهذه المشاركة حق أصيل له، ولكن في نفس الوقت عليه الاستعداد للإجابة: ماذا فعلت في منصبك وعهدك؟
نظرة إلى التاريخ!
لقد كان التاريخ السياسي الأردني حافلا بالتحولات من هنا إلى هناك، فيسجل للراحل الحسين -رحمه الله- إصراره على إعادة بناء الثقة مع أغلب المعارضين وقتها، بل شهدنا حالات غريبة أُعيد فيها معارضون كانوا في صفوف إسقاط الدولة والحكم إلى الوطن معفيا عنهم، بل وتقلد عدد منهم مناصب جد حساسة، ومنهم من ترقى عن منصبه الأصلي الذي تمرد خلاله، وهذه النقطة تدلل على منطق الحكم المتراحم والملتفت للمصلحة الوطنية وسموها على الشخصنة أو حمل الحقد.
ولعل المثال الأبرز بجمع المعارضة والمشاركة في الحكم كان الشهيد وصفي التل، الذي ثبت على نهجه وضرورة تطبيقه سواء أكان في السلطة أو خارجها بنفس الإصرار والحدة، والدارس لأرشيفه سيجد مساجلات عنيفة قام بها أثناء وجوده عضوا في مجلس الأعيان، فكان كثير المنازلات مع الحكومات، ولكن الثابت له هو حفاظه على كل ما طالب أثناء توليه هو، فما زال على حاله حكومة ومعارضة.
في الختام لا يمكنني إلا الإشارة والدعوة إلى ضرورة التخلي عن مغالطة التعميم واتهام الناس بالفساد والإفساد لمجرد الظن والتخمين؛ فالتعميم سمة الجهلاء، والوطن يتسع الجميع، وبعض الحالات الشاذة المنقلبة على نفسها لا تكفي للتعميم على كل الانتقالات، فالأردن هو الإطار الجامع لكل مواطنيه، فما بيننا "خائن" ولا "كافر" والاختلاف لا يفسد للود قضية، والعاقبة لصاحب الثبات ومتجنب الحربائية.
يزن عيد الحراحشة.