متصفح “ChatGPT Atlas”.. هل يغير قواعد اللعبة؟

نبض البلد -
عمر الخطيب

في عالمٍ يتبدل بسرعة الضوء، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي يكتب ويحلل الأسواق ويقترح لنا حتى ما نقرأه، جاءت خطوة OpenAI الأخيرة لتفتح جبهة جديدة في سباق السيطرة على الإنترنت.
الشركة التي أطلقت العنان لموجة الذكاء الاصطناعي عبر "ChatGPT”، عادت اليوم لتعلن عن متصفحها ChatGPT Atlas، وهو مشروع لا يكتفي بتحدي "جوجل كروم”، وإنما يطمح لإعادة تعريف فعل التصفح ذاته.
فما الذي يعنيه أن يتحول المتصفح من أداة نستخدمها إلى شريك يفهمنا؟ وهل نحن أمام مستقبل يجعلنا أكثر حرية في الوصول إلى المعرفة، أم أمام بداية عصر يعرف فيه المتصفح عنا أكثر مما نعرف عن أنفسنا؟

تحدٍ جديد لهيمنة كروم
وأعلنت شركة OpenAI عن إطلاق متصفحها الجديد ChatGPT Atlas الذي وُصف بأنه متصفح مدعوم بالذكاء الاصطناعي يهدف إلى إعادة تعريف الطريقة التي يتعامل بها المستخدمون مع الإنترنت، في خطوة تعد تحديًا مباشرًا لهيمنة متصفح "كروم”.
ويأتي هذا الإطلاق في وقت تتسارع فيه وتيرة دمج الذكاء الاصطناعي في أدواتنا اليومية، وسط جدل واسع حول الخصوصية والتحكم في البيانات، ما يجعل الخطوة الجديدة من OpenAI أكثر جرأة في سوقٍ يتنازع فيه عمالقة التكنولوجيا على مستقبل التصفح.

مزايا تقنية مبتكرة
المتصفح الجديد، المتاح أولًا لمستخدمي نظام macOS، يضم شريطًا جانبيًا مدمجًا مع نموذج ChatGPT، ويتيح تلخيص المحتوى وتنفيذ المهام تلقائيًا عبر ميزة "وضع الوكيل”، وهي خاصية جديدة تجعل المتصفح يتفاعل مع المستخدم بشكل شخصي وفوري.
وتؤكد الشركة أن نُسخًا مخصصة لأنظمة Windows وiOS وAndroid ستصدر لاحقًا، في تجربة تصفح أكثر تفاعلية وذكاء من أي وقت مضى، ما يعني أن مستقبل التصفح قد يشهد نقلة نوعية تجعل المستخدم لا يكتفي بالنقر والبحث، بل يتحدث ويتفاعل وينفذ أوامره مباشرة من خلال الذكاء الاصطناعي المدمج في المتصفح نفسه.

كلارك: نقطة تحول في مفهوم التصفح
وفي هذا السياق، قال خبير السياسات في الذكاء الاصطناعي جاك كلارك إن ما يجري لا يعد مجرد إطلاق متصفح جديد، وإنما هو نقطة تحول حقيقية في مفهوم التصفح ذاته، موضحًا أن المتصفح لم يعد مجرد نافذة للمحتوى، وإنما أصبح مساعدًا رقميًا قادرًا على الفهم والمقارنة واتخاذ القرارات.
وأضاف كلارك أن هذه الخطوة ستغير موازين القوى في عالم الويب، إذ لم تعد محركات البحث وحدها صاحبة القرار في رحلة المستخدم الرقمية، بل بات الذكاء الاصطناعي يلعب الدور الأعمق في توجيه طريقة الوصول إلى المعلومة وفهمها وتحليلها.

بيرنارد: رهانات اقتصادية وتنظيمية ضخمة
من جهته، يرى الخبير في الابتكار الرقمي مارك بيرنارد من منصة Xpert Digital أن خطوة OpenAI تحمل رهانات اقتصادية وتنظيمية ضخمة، معتبرًا أن Atlas سيفتح بابًا جديدًا أمام الشركات لتطوير تجارب تصفح ذكية، لكنه في الوقت نفسه يثير أسئلة جدية حول حماية البيانات وكيفية ضبط حدود الوعي الاصطناعي داخل المتصفح.
وأضاف بيرنارد أن "كلما ازداد إدراك المتصفح لما تفعله، ازدادت معه الحاجة لتشريعات تحمي المستخدم قبل أن تتحول التجربة إلى شكل من أشكال التتبع الذكي”، مشيرًا إلى أن التوازن بين الذكاء والخصوصية سيكون التحدي الأكبر في المرحلة المقبلة، خاصة مع دخول الذكاء الاصطناعي في تفاصيل التصفح الشخصي.

تجارب المستخدمين الأولى
في المقابل، تباينت آراء المستخدمين حول التجربة الجديدة، إذ عبّر مستخدمو نظام macOS عن إعجابهم بقدرة المتصفح على تسهيل المهام اليومية، مؤكدين أن الذكاء الاصطناعي أصبح فعليًا جزءًا من التصفح وليس مجرد أداة جانبية.
بينما اعتبر آخرون أن الإطلاق لا يزال ناقصًا طالما لم يتح لجميع الأنظمة، مشيرين إلى أن جوجل كروم ما يزال الخيار الأكثر استقرارًا وانتشارًا عالميًا، وأن نجاح ChatGPT Atlas سيظل مرهونًا بسرعة توسيع نطاق الدعم الفني وتعدد اللغات والأنظمة.

قلق من قضايا الخصوصية
وأما على منصات التواصل، فقد تحدث مستخدمون عن قلقهم من الجانب المتعلق بالخصوصية، متسائلين عما إذا كان المتصفح يعمل لخدمتهم أم لجمع بياناتهم، في وقت تؤكد فيه OpenAI أن المستخدم يمتلك تحكمًا كاملًا بذاكرته الرقمية، مع إمكانية حذف السجلات متى شاء.
ويقول مراقبون إن هذه النقطة قد تحدد مستقبل الثقة بين الشركة والمستخدمين، خاصة أن الخوف من "الذاكرة الذكية” لا يزال أحد أبرز التحديات في جميع تطبيقات الذكاء الاصطناعي الحديثة.

جيل جديد من التصفح
ويرى مراقبون أن ChatGPT Atlas يمثل جيلًا جديدًا من المتصفحات الذي يجمع بين التفاعل البشري والذكاء الاصطناعي في تجربة موحدة تجعل المستخدم جزءًا من عملية البحث لا مجرد متلقٍ لها، مؤكدين أن هذا التطور قد يغير أسلوب الوصول إلى المعلومات جذريًا، ويحول المتصفح من أداة عرض إلى مساعد رقمي أكثر وعيًا وفاعلية.
ويعتقد الخبراء أن الخطوة قد تدفع شركات التكنولوجيا الكبرى إلى إعادة النظر في استراتيجياتها، إذ إن المتصفح الجديد لا يكتفي بعرض الصفحات وإنما "يفكر” مع المستخدم، وهو ما قد يفتح الباب أمام حقبة جديدة في العلاقة بين الإنسان والآلة.