نبض البلد -
أحمد الضرابعة
دولٌ عديدة من حولنا، صنعت لذاتها دوراً دبلوماسيا يفوق إمكاناتها وتحولت إلى قبلة عالمية لإجراء المفاوضات بين الخصوم والفرقاء والأعداء. في السعودية يلتقي الروس والأميركيين للتباحث بشأن أوكرانيا. وفي عُمان لطالما تفاوض الأميركيون مع الإيرانيين، وحُلّت مسائل إقليمية معقدة. أما قطر، فإنها احتضنت محادثات السلام بين حكومة طالبان والولايات المتحدة الأميركية، وما تزال طرفاً وسيطاً في المفاوضات بين حركة حماس وإسرائيل التي تتجه إليها أنظار العالم. بالنسبة لمصر ، فإنها الدولة العربية الأكبر، ومهما ساءت ظروفها فإن دورها الإقليمي يظل محفوظاً، ومن الجدير بالذكر أن المرحلة الأولى من اتفاق غزة الذي طرحه ترمب تم التوقيع عليها في شرم الشيخ. أما الأردن فإن آخر مرة تولى فيها زمام المبادرة الدبلوماسية في قضايا مشابهة كان عام 1994 وفق ما أعرف، حين احتضنت عمان مؤتمر الوفاق والاتفاق لإنقاذ الوحدة اليمنية من الانهيار. من المفهوم أن التحولات السياسية في المنطقة أعادت توزيع الأدوار الدبلوماسية وأدت لبروز قوى جديدة وتراجع أخرى، لكن فيما يخص الشأن الفلسطيني فإن الدور الأردني لا أظنه عملا إضافياً يمكن الاستغناء عنه. الأردن الذي اختبر إسرائيل في السلم وفي الحرب وتعامل مع الفصائل والتنظيمات على اختلافها كان مؤهلاً للقيام بدور دبلوماسي أكبر من الذي اختاره لنفسه لكنه اختار البقاء في المساحة الآمنة. قد يكون لهذا الخيار مبرراته العقلانية التي تستجيب بالفعل للتوازنات الدقيقة التي تحكم علاقات الأردن الإقليمية والدولية إلا أنه قلّص من الحضور الدبلوماسي للأردن في ملف يمس أمنه القومي، وترك فراغا ملأته أطراف أخرى أقل شرعية لكنها أكثر جرأة وأسرع في المبادرة.
ليس مطلوباً من الأردن أن يصبح وسيطاً بين إسرائيل وحركة حماس، فهذا غير ممكن لأسباب موضوعية عديدة، لكن في ظل تصاعد أدوار بعض الأطراف الإقليمية والدولية في الشأن الفلسطيني وتحديداً فيما يتعلق بحرب غزة ومفاوضاتها التي قد يتمخض عنها مساراً يتحكم بمستقبل القضية الفلسطينية وملفاتها المرتبطة بالأمن القومي الأردني، فإن الأردن مُطالب بالتواجد في أي غرفة سياسية تلتقي فيها الفواعل الفلسطينية والإقليمية والدولية حفاظاً على مصالحه الحيوية ودوره الخاص سواء فيما يتعلق بغزة أو بالضفة الغربية أو بالوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية حتى لا يتم تجاوزه أو القفز عنه. الدبلوماسية الأردنية أثبتت كفائتها في اختبار الحرب على قطاع غزة ولكن مع بدء مرحلة التسويات السياسية التي تصوغ المشهد الفلسطيني بكافة عناصره لا بد من تسخير الدبلوماسية على النحو الأمثل للدفاع عن الثوابت الوطنية ولضمان بقاء الأردن طرفاً فاعلاً في القضية الفلسطينية ولمقاومة أي محاولة لتهميش دوره ولرفض أي مخطط سياسي يتجاهل المصالح الوطنية الأردنية، فالأردن الذي يمتلك شرعية الجغرافيا وعمق التجربة السياسية، وخصوصية العلاقة مع القضية الفلسطينية لا بد أن يحافظ على دوره في أي معادلة سياسية قد يتم اجتراحها ضمن ترتيبات اليوم التالي للحرب على قطاع غزة