نبض البلد - فلسفة القطيع والرأي الأخر ؛
د. حازم قشوع
قرار القطيع هو قرار العموم الذي يمتلك مشروعية القبول من عدمه حتى لو كان لا يمتلك شرعية اتخاذ القرار، وهذا ما يجعل من ثقافة القطيع ثقافة آمنة لكنها فى ذات السياق ترفض الرأي المختلف وتحارب من يفكر خارج الصندوق، وتعادي من لا يتماهى معها حتى لو كان يمتلك راى صحيح، لكن ثقافة القطيع تجدها غير مفيد بالتأكيد كونها تخالف معتقداتها وغير منسجمة مع ما تؤمن به من أفكار أو تستجيب لآراء هي غير جاهزة لاستقبالها، لكنها آراء جاءت من خارج الصندوق حتى لو كانت تحمل علوم خارقة كالتي حملها سيدنا يوسف عليه السلام فى تأويل الأحاديث والأرزاق من الطعام، أو راح يبينها بتفسير الرؤيا وتفريقها عن أضغاث الأحلام، مع أن جميعها علوم خارقة كونها قادرة على قراءة المستقبل والتنبؤ بما هو قادم، وهو العلم الذى كانت بحورها العميقة تستند لمنطوق المنازل فى (ماضي مستقبل) حيث ميم المنزلة ذات الدلالة الوجودية، كما حاء الحركة فى حاضرها فهي غير ثابتة ولا تعتبر من المنازل الثابتة القدرية حتى تستكين بحرف ميم الوجود.
وهو ما جعل من علوم سيدنا يوسف تتعارض مع رواسي نخب العموم برمزية الكهنة، ولولا فيتو السلطان لما استطاعت هذه العلوم من بناء حاضره كبيرة فى مصر حيث كانت ولا زالت اهراماتها تشهد عليها بشاهد على الزمان، إلا أن فلسفة القطيع بقيت تظهر بعناوين مغايرة فى كل العصور فلقد عوقب غاليليو عندما قال أن الأرض ليست مركز الكون والعالم جيوردانو برونو أُحرق عندما قال الكون لامتناهي مهددا بذلك الرأي فلسفة البناء الكهنوتي فى التشخيص، واما مارتن لوثر فلقد عوقب لأنه تجرأ على تعليق آراءه على جدران الكنيسة ولم يعاقب على قول الحقيقة لما حمل ذلك من عناوين جريئه !.
ذلك لأن القطيع يكره التفكير المختلف لكنه لا يمانع بقول الحقيقة طالما لا تؤثر على سلطانه، هو ما بينه الحجاج عندما قال لن أحول بين الناس وبين ألسنتهم حتى يحولوا بيني وبين سلطاني، فإن فعلوا قطعتها حتى لا تكون نهجا ... ذلك لأن الفكر يولد نهج والنهج يولد منهجية والمنهجية تولد برنامج وهذا ما يرفضه القطيع بفلسفته ابتداءا، وهو ذات الأمر الذي يجعل من النماذج الفكرية الابتكارية والحالات الإبداعية العلميه والادبيه تحس فى غربه حتى لو كانت تعيش بين مجتمعها وبين أهلها، لأن استبداد الرأي العام الذي تعنونه ثقافة القطيع هو أقوى من استبداد السلطة وستبقى مسألة الصراع بين الفرد والجماعة قائمه حتى لو جاء الإنسان بما جاء به سيدنا المسيح من إعجاز بالنبوة على مدار ثلاثين عام امضاها من عمره يحق حقائق لكن لم يعاديه القطيع إلا عندما أقرن رسالته وجعلها قائمة بين "المسيح النبي والمسيح الرسول"، وأخذ يبشر بقيمها ويعظ خارج ناموس الجماعة فكانت النتيجة أن "صلب"، وحتى غاليليو الذي رأى في الكواكب علوم فى الطاقة اللامورائيه وأخذ حديثه يمتلك تأثير مخالف لرأي الجامعه عوقب.
ذلك لأن القطيع ينظر لكل هؤلاء بأنهم الخطر الداهم يتعامل معه كما يتعامل الجسم مع الغريب المختلف الذي يشكل له تهديد فيعمل على مقاومته حتى لو كان به للجسم منفعة، كما تقاومه الجماعة حتى لو جاء به نابغة ذلك لأن الجماعة ما يهمها الطمأنينة التي تقف عليها ارضيه الأمن العام والأمان المجتمعي فهى تعتبر أولوية لحماية مستقرات المنظومة وهى لديها اسمى من أية عوامل تعتبرها ساقطة من أفكار حتى لو كانت تشكل لها إضافات نوعية ابداعية او مناحب ابتكارية مفيده، ذلك لأن هذه الأفكار قد تهدد امانها وتؤثر على أمنها الاجتماعي الأمر الذي يجعل من الفكر المختلف هو كما الجسم الخطير الذي يجب محاربته بالشكل دون النظر للموضوع كما يجعل من صاحب الرأي المغاير يشكل خطر داهم على منظومه القطيع لذا يستوجب إقصاءه دون النظر لماهية ما يقف عليه من فكر أو يحمله من بيان !.
خلاصة القول ليس كل رأي تجده الجماعة غريب أو خارج عن المألوف يتم رفضه من قبل الجموع شكلا دون النظر به موضوعا كونه لم يخرج من رحم القطيع بل جاء عبر قنوات ابتكارية أو من مناخات إبداعية جعلت من الجموع تنظر إليه باعتباره دخيل من اللازم حمايته لكن من غير المقبول سماع رأيه أو بيان معرفته، فإن العلماء والمبدعين والموهوبين من حرفيين ومهنيين وحتى رياضيين بحاجة دائما لحاضنة تحتويهم ولا ترفضهم تحفزهم ولا تلفظهم وتشكل لهم حضانة خاصة تميزهم ويمتازون بها، وهذا ما يجعلنا نطالب بعدم السماح بالتخلي عن الجنسيه الاردنيه لاي سبب او لايه دواعي شخصيه، فان الاحتفاظ بالجنسيه هو واجب باتت تستدعيه حالة الاستقطابات الإقليمية التى نعيش فى ظل هذه المنعطفات التاريخية التي تشهدها المنطقة والعالم أجمع.