الأنباط - عمر الخطيب
تشهد الساحة المصرفية الأردنية حراكاً غير معلن يتجه نحو إعادة رسم خريطة القطاع عبر مفاوضات أولية بين عدد من البنوك المحلية وكيانات مصرفية أجنبية عاملة في المملكة. ورغم غياب التفاصيل المتعلقة بهوية الأطراف أو مخرجات هذه المحادثات، إلا أن مؤشرات القطاع تكشف عن توجه متزايد نحو استراتيجيات التوسع والاندماج، في ظل ضغوط تنظيمية واقتصادية متسارعة.
وتأتي هذه المباحثات في إطار الحاجة إلى تعزيز مستويات رأس المال المحلي بما يتماشى مع متطلبات كفاية رأس المال وحدود المخاطر التي يفرضها البنك المركزي والمعايير الدولية، فضلاً عن تحديات المنافسة في سوق مصرفي يتسم بالانفتاح وتنامي دور التكنولوجيا المالية. هذا السياق يعزز من احتمالية لجوء البنوك إلى الاندماجات أو الاستحواذات كوسيلة لتقوية مراكزها المالية وتحقيق وفورات الحجم التي ترفع من كفاءتها التشغيلية.
وشهد القطاع المصرفي الأردني في الأعوام الأخيرة سلسلة من الصفقات الكبرى التي غيرت موازين القوى، مثل اندماج بنك الاتحاد مع "إنفست بنك”، واستحواذ البنك العربي للاستثمار على عمليات "ستاندرد تشارترد” في الأردن، إضافة إلى اندماج "كابيتال بنك” مع "سوسيتيه جنرال – الأردن”. هذه الخطوات عززت قدرة البنوك على تمويل المشاريع الكبرى، ووسّعت قاعدة العملاء، ما انعكس بشكل مباشر على متانة الاقتصاد الوطني.
ويرى خبراء أن المفاوضات الحالية، حتى وإن بقيت في إطارها السري، تمثل إشارة إلى أن القطاع المصرفي يدخل مرحلة جديدة من إعادة الهيكلة الاستراتيجية. فالبنوك لم تعد تكتفي بالنمو العضوي أو التوسع التقليدي، بل تتجه إلى بناء شراكات وتحالفات قادرة على مواجهة المتغيرات الاقتصادية والمالية، محلياً وإقليمياً. كما يُنظر إلى هذه التحولات باعتبارها رافعة لاستقرار النظام المالي ودعامة لخطط التحديث الاقتصادي التي تتبناها الدولة.
وبينما لا تزال نتائج هذه المفاوضات غير محسومة، فإن مجرد وجودها يعكس إدراك البنوك لحجم التحديات المقبلة، من ضغوط الامتثال والمعايير الدولية إلى المنافسة المتصاعدة مع شركات التكنولوجيا المالية. وهو ما قد يجعل الفترة المقبلة حافلة بمزيد من الاندماجات والتحالفات التي ستشكل ملامح الجيل الجديد من القطاع المصرفي الأردني.