نبض البلد - غزة تكسر الصمت
الأنباط – ميناس بني ياسين
لم يعد ما يجري في غزة مجرد أرقام صادمة أو صور دامية تُبثّ على الشاشات بل تحول إلى لحظة وعي عالمي فارقة، كسرت جدار الرواية "الإسرائيلية" المهيمنة لعقود؛ أكثر من 64 ألف شهيد جلّهم من الأطفال والنساء، ملايين النازحين ومدن كاملة تُمحى من الوجود، جعلت العالم يستيقظ على حقيقة دامغة؛ الفلسطينيون ليسوا "مشروع أزمة" كما صُوِّروا طويلًا، بل شعب يتعرض لإبادة وهو صاحب حق مشروع في أرضه ووجوده.
وهذا التحول لم يبقَ حبيس البيانات الحقوقية أو قاعات الأمم المتحدة بل اقتحم الملاعب والمدرجات وغرف تبديل الملابس، حيث تتعالى اليوم أصوات رياضيين، أندية، وروابط دولية تطالب بمحاسبة إسرائيل وحرمانها من المشاركة في البطولات، في مشهد يُعيد للأذهان العقوبات التي فُرضت على نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وعلى روسيا عقب غزوها لأوكرانيا.
مقاطعة تتسع.. من إيطاليا إلى ألمانيا
في إيطاليا طالبت رابطة مدربي كرة القدم رسميًا الاتحادين الدولي والأوروبي بتعليق عضوية إسرائيل ومنعها من المنافسة، معتبرة أن استمرارها في البطولات "وصمة عار أخلاقية"، ورئيس الرابطة رينزو أوليفييري شدد أن "الرياضة لا يمكن أن تكون صامتة إزاء المجازر"، خاصة مع اقتراب مواجهة "الآزوري" للمنتخب الإسرائيلي بتصفيات كأس العالم.
وفي ألمانيا انسحب نادي فورتونا دوسلدورف من التعاقد مع المهاجم الإسرائيلي شون فايسمان، بعد تصريحاته التي دعت علنًا لإبادة الفلسطينيين، كما أعلنت شركة بوما إنهاء عقد رعايتها مع الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم، بعد حملة مقاطعة استمرت خمس سنوات قادتها حركة BDS.
تعاطف رياضي واسع.. من الملاعب إلى الجماهير
ولم تقتصر المواقف على المؤسسات بل امتدت إلى نجوم الملاعب، النجم المصري محمد النني نشر صورة لافتة "أوقفوا قتل الأطفال" التي رفعت في كأس السوبر الأوروبي، مضيفًا "فلسطين حرة"، في رسالة مباشرة لملايين المتابعين وفي بريطانيا، رفع مشجعو نادي سيلتيك الأسكتلندي أعلام فلسطين في مباريات الدوري، رغم تهديدات الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات، ليؤكدوا أن القضية تجاوزت السياسة لتصبح قضية إنسانية.
أما في أمريكا اللاتينية رفض لاعبون أرجنتينيون وبرازيليون خوض مباريات ودية أمام فرق إسرائيلية، فيما أعلن عدّة رياضيين في تشيلي والأوروغواي دعمهم لحملات مقاطعة الاحتلال، الصحافة العبرية نفسها اعترفت أن "إسرائيل باتت منبوذة في الملاعب كما في الشوارع".
ردّ فعل إسرائيلي مرتبك
من جانبها وصفت "إسرائيل" هذه الدعوات بأنها "محاولات تسييس الرياضة"، واتهمت حركة المقاطعة BDS بـ"نشر الكراهية" فـ أصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية بيانات غاضبة، محذّرة الفيفا واليويفا من "الانجرار خلف الضغوط السياسية" لكن حجم التغطية الإعلامية، والضغط الشعبي المتنامي في أوروبا وأمريكا اللاتينية، جعلت الموقف الإسرائيلي يبدو مرتبكًا، بل دفاعيًا للمرة الأولى في ساحة طالما اعتبرتها "آمنة".
غزة اليوم.. دم مستمر وصمت رسمي
وميدانيًا يتواصل العدوان الإسرائيلي على غزة بلا هوادة، حيث أعلنت وزارة الصحة عن استشهاد مئات المدنيين خلال الساعات الماضية فقط، في وقت يعيش فيه القطاع انهيارًا شاملاً في البنية الصحية والإنسانية، أما الأمم المتحدة وصفت الوضع بأنه "أسوأ كارثة إنسانية يشهدها القرن الحادي والعشرون"، مؤكدة أن التقارير الميدانية تثبت استخدام الاحتلال سياسة "الأرض المحروقة".
ولم تعد غزة اليوم مجرد "ملف سياسي" بارد في أروقة الدبلوماسية، بل تحولت إلى اختبار أخلاقي عالمي تلتقي فيه الدماء المسفوكة مع أصوات الملاعب فالرياضيون والجماهير والاتحادات يرفعون البطاقة الحمراء في وجه الاحتلال، في رسالة أوضح من أي وقت مضى، "كما سقط نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وكما عُزلت روسيا، فإن إسرائيل تتجه نحو عزلة رياضية وسياسية متصاعدة، بعدما انكشف زيف روايتها للعالم أجمع".