هل تستطيع الجامعات الأردنية استيعاب التحول نحو التعليم المهني؟

نبض البلد -

خطايبة: الجامعات مطالبة بمواءمة التعليم مع سوق العمل عبر كوادر خبيرة وبنية تحتية متخصصة

الدعاس: المسار المهني أصبح بوابة جامعية بدلًا من مسار نحو سوق العمل

 

الأنباط – شذى حتاملة

 

في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها قطاع التعليم في الأردن، يتزايد الاهتمام بالتعليم المهني باعتباره أحد المحاور الرئيسة لتحقيق التنمية المستدامة وتزويد الطلبة بالمهارات الفنية والتطبيقية التي تؤهلهم للانخراط في سوق العمل.

ومع بروز هذا التوجه، تطرح تساؤلات جوهرية حول مدى جاهزية الجامعات الأردنية لاستقبال خريجي المسار المهني من طلبة "البيتك” (BTEC)، وقدرتها الأكاديمية والبنية التحتية على استيعاب الأعداد المتزايدة منهم، وتقديم بيئة تعليمية متكاملة تلبي احتياجاتهم، بما يحقق التكامل بين التعليم الأكاديمي والتطبيقي.

فهل تستطيع الجامعات الأردنية أن تتحول إلى منصات حقيقية للتعليم التطبيقي والمهني، قادرة على تأهيل طلبة بمهارات تواكب سوق العمل، أم أن التعليم المهني سيظل مجرد مسار بديل للوصول إلى قاعات المحاضرات الجامعية؟

 

دور الجامعات والبنية التحتية المطلوبة

 

رئيس مدربي الاتحاد العرب الدكتور يونس خطايبة شدد على أن الجامعات الأردنية مطالبة اليوم بإعادة صياغة دورها التعليمي لتصبح منصات تطبيقية تواكب متطلبات السوق. وأوضح أن ذلك يتطلب الاستعانة بكوادر تدريسية ذات خبرة عملية ميدانية إلى جانب الخلفية الأكاديمية، بما يضمن توصيل المعرفة بشكل تطبيقي يحقق المواءمة مع احتياجات الصناعة.

 

وأشار خطايبة إلى أن الجامعات بحاجة لتطوير بنيتها التحتية عبر إنشاء مختبرات متطورة، وورش عمل حديثة، ومراكز تدريب متخصصة، إلى جانب إقامة شراكات استراتيجية مع غرف الصناعة والتجارة لتوفير فرص تدريب عملية متواصلة للطلبة. كما دعا إلى تعزيز الإرشاد الأكاديمي والمهني للطلبة بما يساعدهم على تطوير مهارات القيادة والتواصل وإدارة المشاريع وحل المشكلات، ليصبح الخريجون أكثر قدرة على الاندماج بسلاسة في سوق العمل.

 

جاهزية الجامعات وتحديات التغيير

 

وحول مدى جاهزية الجامعات، أكد خطايبة أن العديد منها تمتلك بالفعل مختبرات وورش عمل ومرافق تؤهلها لتطبيق برامج مثل "BTEC” و"Qualifi”. لكنه لفت إلى أن الجاهزية الحقيقية تتجاوز البنية التحتية إلى إحداث تحول جذري في عقلية الكوادر الأكاديمية، بحيث يتخلى التعليم عن الحفظ والتلقين، ويتجه إلى التطبيق العملي وربط المعرفة بالواقع المهني.

 

وأوضح أن المرحلة المقبلة تستوجب من الجامعات تمكين أعضاء هيئة التدريس من تصميم مشاريع تطبيقية واعتماد تقييمات قائمة على الأداء العملي، بما يضمن إعداد طلبة يمتلكون الكفاءة والقدرة على التعامل مع تحديات سوق العمل المتغيرة. وبيّن أن تحقيق الجاهزية الشاملة يتطلب تكامل أربعة عناصر رئيسية: بنية تحتية متخصصة، كوادر مؤهلة تؤمن بالتحول، استراتيجيات تدريس حديثة، وشراكات فاعلة مع القطاع الصناعي.

 

عقبات ومعيقات قائمة

 

خطايبة أشار كذلك إلى أن أبرز التحديات تتمثل في تحويل خبرات أعضاء هيئة التدريس من نهج أكاديمي تقليدي إلى نهج عملي ميداني، وهو ما يتطلب برامج تدريبية وتأهيلية جديدة. كما أضاف أن بناء شراكات قوية مع الشركات والمصانع يشكل بدوره تحديًا لضمان التدريب العملي المستمر للطلبة.

 

وعلى صعيد الطلبة، أوضح أن التعليم المهني يحتاج إلى تعزيز قدراتهم على التحليل والتطبيق وتصميم المشاريع وتحويلها إلى أفكار ريادية قابلة للتنفيذ، داعيًا الجامعات إلى دمج المناهج النظرية مع التطبيق العملي وتبني استراتيجيات تحفّز الابتكار وريادة الأعمال.

 

كما لفت إلى أن نظام التعليم المهني في الأردن يعتمد حتى الآن على جهة مانحة واحدة وهي "بيرسون بيتك”، الأمر الذي يثير التساؤلات حول جدوى الاعتماد الحصري على هذه الجهة في ظل وجود بدائل عالمية أخرى قد تقدم برامج أكثر تنوعًا وملاءمة، داعيًا إلى فتح الباب أمام الجامعات للتعاقد مع جهات مانحة مختلفة.

 

قصور في المخرجات الحالية

 

وفي ختام حديثه، أشار خطايبة إلى أن خريجي الجامعات ما زالوا يفتقرون إلى المهارات العملية والشخصية مثل التواصل والعمل الجماعي وحل المشكلات والتفكير النقدي، مرجعًا ذلك إلى هيمنة الطابع النظري على المناهج وقلة الأنشطة التطبيقية. وأكد أن معالجة هذا الخلل تتطلب إعادة تصميم المناهج لتكون أكثر عملية وتفاعلية، مع التركيز على المشاريع الواقعية وحل المشكلات الميدانية، بما يحوّل المعرفة النظرية إلى قدرات وظيفية حقيقية تؤهل الخريجين لمتطلبات السوق التنافسية.

 

تحول في مفهوم التعليم المهني

 

من جانبه، قدّم الدكتور فاخر دعاس، منسق الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة "ذبحتونا”، قراءة مختلفة للتحدي، معتبرًا أن الفكرة الأساسية للتعليم المهني كانت تقوم على إعداد الطلبة لسوق العمل مباشرة بعد إنهاء مرحلة الدبلوم المهني، إلا أن الواقع الحالي يشهد انحرافًا عن هذا الهدف.

 

وأوضح دعاس أن التعليم المهني في الأردن بات يتجه نحو الأكاديمية أكثر من التطبيقية، إذ أصبح بإمكان طلبة "البيتك” الهندسي، على سبيل المثال، تجاوز امتحان التوجيهي الوطني والاكتفاء بمواد الثقافة العامة الأربع للالتحاق مباشرة بالجامعات. وهذا ما جعله – بحسب دعاس – يتحول إلى "بوابة جامعية” بديلة بدلًا من أن يكون مسارًا مهنيًا حقيقيًا.

 

وأضاف أن الغالبية العظمى من خريجي "البيتك” لا يتجهون إلى سوق العمل، بل يسعون لمواصلة دراستهم الأكاديمية، ما يفقد المسار المهني جوهره كمسار تطبيقي يهدف إلى التشغيل المباشر. وأكد أن الجامعات الرسمية ما تزال متأخرة في تبني برامج البكالوريوس أو الدبلوم التقني بشكل فعلي، باستثناء بعض المبادرات المحدودة مثل ما تطبقه جامعة الحسين التقنية.