مراجعات طهران وتل أبيب.

نبض البلد -

حاتم النعيمات

يتحدث كثير من الخبراء والمحللين عن احتمالات التصعيد بين إيران وإسرائيل، إذ تدرك طهران أن إسرائيل لن تتنازل بسهولة عمّا حققته من اختراق خلال المواجهة الأخيرة.

المقلق هو غياب أي محادثات مباشرة بين طهران وواشنطن، مع أن إيران عادت لتضع ملفها النووي في دائرة الضوء عبر بوابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وزير خارجيتها أكد أنّها لا تستطيع قطع خيوط التعاون بشكل كامل، بل تترك نافذة مفتوحة لاحتمال جولة جديدة من المحادثات. هذه الخطوات لا ترقى إلى مفاوضات مع واشنطن، لكنها تكشف عن إدارة إيرانية متدرجة، تُقدّم للوكالة إشارات محسوبة، وتؤجل الحديث المباشر مع الأميركيين أو تشترطه.

وفي الداخل الإيراني، ما زالت الساحة تعيش أمرًا بصراع بين تيارين: الإصلاحي بقيادة الرئيس بزكشيان، والمحافظ الذي يمثله المرشد الأعلى والحرس الثوري والبرلمان الخاضع لهيمنتهم، وهذا البرلمان شدّد الشهر الماضي على قيود صارمة قبل أي تفاوض مع واشنطن، ما يعقّد الملف ويؤخر أي انفراجة قريبة. الأوروبيون من جهتهم لوّحوا قبل أيام باستخدام آلية "إعادة العقوبات” ضمن اتفاق 2015 وقرار مجلس الأمن 2231 إذا لم تقدّم طهران تنازلات قبل نهاية آب. تهديد يضغط لكنه لا يعني بالضرورة أن المفاوضات قد تنطلق بسهولة.

وبفعل نتائج الهجوم الإسرائيلي والتحركات الدولية، ارتفعت وتيرة النقاش الداخلي في إيران، حتى عبّر الرئيس الإصلاحي علنًا عن انزعاجه من "سياسة العناد” التي ينتهجها المحافظون، وهو تصريح يحمل دلالات عميقة على حجم التباين في الداخل.

في إسرائيل أيضًا، تبدو حكومة نتنياهو متمسكة بخيار صفقة شاملة لإطلاق جميع الرهائن تحت تهديد عسكري بالسيطرة على غزة. لكن الشارع الإسرائيلي يغلي: معارضة، إضرابات، ومخاوف من أن يكون نتنياهو يطيل عمر الحرب فقط للبقاء في السلطة والهروب من المحاسبة القضائية، وهذا يدل أن تل أبيب لديها رغبة بإنهاء ملف غزة بسرعة لأن حساب نتنياهو قد أصبح ثقيلًا شعبيًا.

المراجعات في طهران وتل أبيب لا تعني غياب احتمال مواجهة جديدة، بل ربما تُمهّد لها إذا فشلت محاولات احتواء الموقف. مثل هذه المواجهة قد تكون محاولة لفرض تسوية كبرى تُخضع البرنامج النووي الإيراني للرقابة على الأقل. وفي الموازاة، تتحرك العواصم العربية بزخم، فمصر تكثف جهود الوساطة، فيما ينصبّ الجهد الأردني والسعودي والإماراتي على تحشيد الموقف الدولي والضغط على أوروبا لدعم الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

اليوم نحن أمام مفترق طرق حساس، فإمّا انفراجة في ملف غزة ووقف العدوان على المدنيين وانتهاء حقبة اليمينين الإسرائيلي والإيراني، أو مواجهة إقليمية أوسع تعيد خلط الأوراق، والفيصل يبقى بيد الأميركيين والأوروبيين، ومعهم العرب، في رسم ملامح الاستقرار المقبل للمنطقة، الأيام القادمة ستكون حاسمة على الأغلب.