الرئيس في الكرك!

نبض البلد -

حاتم النعيمات

زيارة مفاجئة قام بها دولة رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان إلى محافظة الكرك تركت أثرًا إيجابيًا لدى الكثير من أهل المحافظة.

في البداية، دعونا نتفق أن الرئيس حسان ميداني بشكل استثنائي غير مسبوق منذ عدة عقود، وكلمة ميداني لا تعني أنه يقوم بمجرد زيارات خارج المكاتب، بل تعني أيضًا قدرته على حل المشاكل بالمعاينة الشخصية القريبة، والتأسيس لما يتبعها من محاسبة ومتابعة لتلك الحلول.

الرئيس زار الكثير من المشاريع والمؤسسات في الكرك، وجاء ذلك بعد أشهر من عقد جلسة لمجلس الوزراء في المحافظة ضمن نهج المعاينة عن قرب الذي يتبناه حسان.

مشاكل محافظة الكرك مركبة، فمنها ما هو مماثل لما هو موجود في جميع محافظات المملكة وهو مسؤولية الحكومات بالطبع ودون مجاملة، ومنها ما هو خاص بالكرك نفسها؛ وأتحدث هنا عن الإدارة المحلية المنتخبة فيها، والتي تعاني منذ أكثر من عقد من صعوبات كثيرة ومشاكل جوهرية.

بتقديري، فإن جوهر مشاكل الإدارة المحلية في المحافظة مرتبط بشكل الخارطة السياسية والانتخابية التي تنتجها، تلك الخارطة التي أنتجت إلى حد كبير حالة من الجفاء بين الواقع الخدمي والبلدي والبرامجية الواقعية، فأنا ابن هذه المحافظة، والكثير من أبنائها يدركون أن الأيدولوجيات ما زالت تسيطر على الفضاء العام فيها، فلا يمكن إنكار سطوة الفكر القومي واليساري والإخواني على خيارات الناخبين فيها. بصراحة، القصة ليست مجرد عارض، بل ظاهرة تستحق التأمل والدراسة.

في مناسبات كثيرة تحركت بعض قيادات الإدارة المحلية بشكل يتجاوز العمل الخدمي والبلدي إلى ما هو عابر لحدود الكرك والمملكة باتجاه الإقليم والعالم حتى!. وأنا هنا لا أبتغي الحجر على الآراء بقدر ما أطالب بإعادة ترتيب الأولويات على الأقل، فلا يمكن أن تكون الأدارة المحلية معنية بالحدث الإقليمي أكثر من خدمات الناس، ولا يمكن أيضًا أن يقبل البعض من الجمهور بالمعنويات والرمزيات على حساب ما هو مادي ملموس. فهناك على الطرف الآخر من يقيّم الإدارة المحلية بما يراه من خدمات وتطوير ولا يعنيه التوجهات الأممية والعواطف.

نتيجة لذلك، بدأ الكثير من الناس يفقدون ثقتهم بالعمل العام المحلي برمته، فقد نمت حالة من التناقض بين حاجات الناس والواقع. أدى ذلك إلى انحراف خيارات جزء من الناخبين إلى الفائدة الشخصية اللحظية، وانعكس ذلك على وصول أشخاص غير مؤهلين في الكثير من الأحيان إلى مفاصل الإدارة المحلية، بالمحصلة، وجدنا أنفسنا أمام قوة تصويتية مقسومة في معظمها إلى قسمين: قسم يبحث عن منفعة خاصة، وقسم يريد تعاطي الشعبويات والقرارات الرمزية. والنتيجة تراكم الأزمات والمشاكل كما رأينا بأعيننا.

الواقع وصل إلى حدٍ مؤذي من اللامعيارية، بحيث أُجبر الكثير من الأشخاص أصحاب الكفاءة إلى عزل أنفسهم عن العمل العام برمته، لذلك، فإن أهل المحافظة مطالبين اليوم بوقفة تأمُّل جدية تفضي مراجعة شاملة تشجّع الأكفأ على الدخول إلى هذا المجال المهم؛ فالإدارة المحلية بالمناسبة تعتبر من أهم روافع التنمية في أي بلد، ولا يمكن أن يتم التعامل معها إلا بجدية.

يجب أن نقف أمام نقطة مهمة ولقطة كاشفة في زيارة الرئيس حسان إلى المحافظة، وهي أن الرجل وقف أمام مبنى ضخم غير مكتمل البناء تقدر مساحته بـ 7500 متر مربع عجزت الإدارات المحلية عن حسم أمره منذ 2016!.

صحيح أن صلاحيات رئيس الحكومة أكبر من صلاحيات الأدارات المحلية، لكن الرئيس في قراره "من أمام المبنى" لم يخترع العجلة، بل قام ببساطة بجمع حاجات جامعة مؤتة مع حاجات بلدية الكرك الكبرى وانتهى الأمر خلال دقائق بتحويل المبنى إلى منشأة تخدم كلية الطب في الجامعة وتنهي توقف حال المبنى! ولك أن تتخيل أن مشكلة هذا المبنى القائمة منذ تسعة سنوات تم حلها بدقائق، أي أن الحل كان متوفرًا، لكنه على ما يبدو لم يكن على الأجندة "الأممية" لبعض عناصر الإدارات المحلية المتعاقبة.


بصراحة أكثر، بدون حالة حزبية محلية واضحة لا أعتقد أن أي إدارة محلية في العالم كله يجب أن تهتم بالسياسة بشكل كبير، خصوصًا إذا نتج عن ذلك إهمال واضح للجانب الخدمي والإجرائي، هذه حقيقة يجب أن نتفق عليها ويجب أن ندرك أثر إهمالها على أرض الواقع اليوم. لذلك، فإن المهم بتقديري في عمل هذه الإدارات هو النتيجة وليس الطريقة، لكن يبدو أننا متمسكون بالطريقة (الانتخابات) على حساب النتيجة (الخدمات العامة).


نحن الآن أمام فرصة بوجود رئيس وزراء نشيط وميداني قد لا يتكرر بسهولة في المستقبل بصراحة، ولا يوجد ما يمنع أن تتكاتف الجهود لاستعادة آلية تقييم المسؤولين المحليين بعيدًا عن العواطف والتوجهات البعيدة عن الإختصاص والوظيفة. فترسيخ آلية عملية للاختيار مهم في ظل التغيرات التي تحصل للخارطة السياسية والحزبية في الأردن اليوم. فلا يعقل أن تعبُر الإدارات المحلية في المملكة إلى الحالة البرامجية والعملية وتبقى الإدارة المحلية في الكرك في وضعها الحالي.