محمد علي الزعبي

نحو إعلام منضبط وحرّ: دعوة لإعادة تمكين هيئة الإعلام رقابيًا وتشريعيًا

نبض البلد -
 محمد علي الزعبي

يشهد قطاع الإعلام تحوّلاً جذريًا من النمط الكلاسيكي القائم على الوسائل التقليدية كالصحف الورقية والإذاعة والتلفزيون، إلى النمط الرقمي الذي يتسيد المشهد عبر المنصات الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي. هذا التحول لم يعد خيارًا بل واقعًا، يفرض أنماطًا جديدة من العمل الإعلامي تتطلب أدوات رقابية وتشريعية وتنظيمية تواكب هذا التغير وتضبط إيقاعه.

إن التحوّل من الإعلام الكلاسيكي إلى الرقمي، رغم ما يوفره من فرص انتشار وتأثير وتعدد في مصادر المعلومة، قد أفرز أيضًا تحديات تتصل بالمهنية والمصداقية وتضارب المعايير، فضلًا عن تسلل خطاب الكراهية والمحتوى غير المنضبط عبر منصات مفتوحة يصعب أحيانًا ضبطها أو متابعتها.

وفي هذا الإطار، تبرز هيئة الإعلام الأردنية كجهة تنظيمية ورقابية محورية في المشهد الإعلامي، يقع على عاتقها دورٌ أساسي في إدارة هذا التحول من خلال وضع التشريعات الناظمة، وممارسة الرقابة المهنية، وتعزيز الحوكمة داخل المؤسسات الإعلامية، بما يضمن استمرارية القطاع في بيئة مستدامة وعادلة.

لقد باشرت الهيئة خلال السنوات الأخيرة جهودًا ملموسة في تحديث بعض الأطر القانونية والتنظيمية، وأطلقت حوارات مع الشركاء الإعلاميين والنقابيين، إلا أن سرعة التحول الرقمي تتطلب استجابة تشريعية أسرع وأكثر شمولًا. وعليه، فإنني أطالب هيئة الإعلام بتكثيف جهودها في صياغة تشريعات حديثة ومتكاملة تضبط العمل الإعلامي الإلكتروني، وتحد من التداخل بين الصحافة المهنية والنشر العشوائي، وتدعم في الوقت ذاته المؤسسات الإعلامية في التكيف مع متغيرات السوق الرقمي.

كما أدعو الهيئة إلى ممارسة دورها الرقابي بشكل مؤسسي وفاعل، قائم على التوازن بين حماية حرية التعبير من جهة، وضبط الفوضى الإعلامية من جهة أخرى، وذلك عبر آليات متابعة مهنية تعتمد الشفافية والاستقلالية والعدالة في التعامل مع الجهات الإعلامية.

وفي ضوء هذا الواقع الإعلامي المتغير، فإن الحكومة الأردنية مطالَبة أيضًا بإعادة النظر في السياسات الإعلامية العامة، وتمكين هيئة الإعلام تشريعيًا وفنيًا لتكون أكثر قدرة على قيادة هذا التحول، من خلال رسم السياسات العامة، وتحديث القوانين ذات العلاقة، وبناء بيئة إعلامية تستند إلى المهنية والاستدامة المؤسسية.

إنّ تنظيم العمل الإعلامي في ظل الرقمنة ليس ترفًا، بل ضرورة وطنية لحماية المجتمع من التضليل، وصون سمعة الإعلام من الانحدار، وتعزيز ثقافة المعلومة المسؤولة في إطار يوازن بين الحرية والضبط.

ختامًا، فإن هيئة الإعلام مطالبة اليوم بلعب دور ريادي في صياغة مستقبل الإعلام الأردني، من خلال أدوات تنظيمية متقدمة، ورقابة مهنية بنّاءة، وتشريعات مواكبة لعصر التحول الرقمي، بما يحفظ للمهنة مكانتها، وللمجتمع حقه في إعلام وطني حرّ ومسؤول.