حاتم النعيمات
تعتمد واشنطن في ملف مفاوضات غزة على رَجُلين مهمين يمتلكان قدرات مميزة في التفاوض بحكم خلفيتهما كرجال أعمال (النوع الذي يثق به ترامب)، الأول هو المبعوث الرسمي الخاص للرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيڤ ويتكوف، والثاني هو الفلسطيني-الأميركي بشارة بحبح. وقبل أيام خرج الأخير للإعلام وتحدث عن مجريات المفاوضات بين "إسرائيل" وحماس بصراحة عالية وبشكل يناقض تصريحات ويتكوف عن إنتهاء المفاوضات وانسحاب الولايات المتحدة منها. ويمكن فهم هذا التناقض على أنه مناورة أمريكية (ترغيب وترهيب) للضغط على أطراف المفاوضات وخصوصًا حماس للقبول بالصفقة، لكن لا يمكن إهمال دلالاته وأبعاده.
الخطير في المشهد هو أن الوقت يتحرّك لصالح عقلية "البزنس" لدى ترامب وويتكوف وبحبح، ولحساب طموحات نتنياهو اليمينية أيضًا، بحيث أصبح الوضع الإنساني الكارثي هو الكرة التي تلعب بها جميع هذه الأطراف، فالطرف الأمريكي يريد تحويل غزة إلى استثمار ومشاريع بعد تصنيفها كمنطقة غير قابلة للحياة، والإسرائيلي يطمح من خلال نفس الظروف إلى تهجير أهل القطاع كتجربة تؤسس لتهجير سكان الضفة الغربية، وحماس تحاول الضغط على العالم باستخدام المأساة الإنسانية لتحسن وضعها التفاوضي على وجودها كتنظيم.
والدليل على ما أقوله هو أن هناك خطوات اتخذت على الأرض بحجة المشهد الإنساني القاسي في غزة، قيام شركة إستثمارات مشبوهة مثل شركة Boston Consulting Group (BCG) بوضع مخطط لتنفيذ سيناريو التهجير الجماعي؛ حيث أعدت الشركة بالتعاون مع شركائها تقاريرًا عن إمكانية استغلال الضغط الإنساني في تنفيذ التهجير، ورسمت الشركة لأجل ذلك نموذجًا ماليًا لتفريغ القطاع من خلال مبلغ مالي قدره (9000 دولار) لكل مهجّر.
ببساطة، تم تحويل معاناة الفلسطيني وطول أمد الحرب إلى سلع استثمارية يمكن استغلالها بسهولة.
لكن لحسن الحظ أن اللعبة انكشفت، ووجدت BCG نفسها في عين عاصفة أخلاقية بعد أن تصدّرت عناوين الصحافة العالمية، بالإضافة إلى موجة إدانات من منظمات إنسانية وبرلمانات أوروبية. ورغم محاولتها التنصل من خلال إقالات وتبريرات، إلا أن أحدًا لم يقتنع بروايتها. وسواء بقيت هذه الشركة أم لم تبقى في الميدان، فإن ذلك يعتبر مؤشرًا قويًا على جدية مقترحات التهجير "طوعيًا" كما يدعي مجرم الحرب نتنياهو.
لاحظ أن جميع الأطراف يملكون هدفًا واضحًا يصب في مصلحة شعوبهم، وهنا يكمن الفرق الجوهري والدليل على أن حماس تفاوض على مصالحها لا أكثر؛ فما تقوم به حماس خطير حتى على شعبيتها في غزة، والغريب أنها تدرك ذلك إذ حاولت عشرات المرات إسكات ناقديها، وهذه كلها مؤشرات تدل أن الحركة تحرص على ذاتها التنظيمية وسلامة قادتها لا أكثر، ولدي عشرات التصريحات والسلوكات التي تثبت ذلك.
وبالعودة إلى تناقضات ويتكوف وبحبح الظاهرية، فإن على حماس إدراك أن خروج بحبح للإعلام العربي وكشفه لمعظم أسرار المفاوضات بالتزامن مع تهديدات ترامب المستندة لتقرير ويتكوف يعني أن الأمور وصلت إلى ذروتها، ولم يعد هناك مجال للمماطلة، ولو استمع المفاوض الحمساوي بعناية وتحليل لحديث بحبح على قناة العربية لفهم أن الرجل يطلق الإنذار الأخير.
إن فشل المفاوضات يمكن تشبيهه بمصباح علاء الدين في يد نتنياهو وشركات الاستثمار الأمريكية والإسرائيلية المتأهبة للانقضاض على القطاع وسكانه، وهنا لا بد من التذكير بأن الوسيطين المصري والقطري يحتاجان إلى رفع مقدار الضغط على حماس للنزول إلى الواقع وإعطاء المجال للقطاع بأن يلتقط أنفاسه.