السردية: لا نتحرك لحل أزمات مؤقتة بل نعمل ضمن رؤية استراتيجية طويلة الأمد
الزعبي: تأسيس الجمعية خطوة استراتيجية لتعزيز الشراكة مع المجتمع المحلي
المصري: المزارع الصغير وتحفيز الابتكار أساس التحول نحو زراعة مستدامة
الأنباط – رزان السيد
في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه منظومة الأمن الغذائي في الأردن، برزت مبادرة مجتمعية جديدة تستند إلى رؤية استراتيجية ووعي عميق بمفاهيم الزراعة المستدامة وعدالة توزيع الموارد الغذائية. فقد انطلقت فكرة تأسيس جمعية تُعنى بالأمن الغذائي من قناعة شخصية تحوّلت إلى مشروع مؤسسي قيد التشكيل، تقوده الناشطة المجتمعية أسْمى صقر السردية، التي رأت في العمل المدني وسيلة لتجسيد إيمانها بالعدالة الاجتماعية كأولوية تنموية ووطنية.
وتسعى الجمعية الناشئة إلى تقديم نموذج عملي يدمج بين السياسات الوطنية واحتياجات المجتمع المحلي، لا سيما في المناطق المهمشة، واضعة هدفًا واضحًا نصب أعينها: تمكين الأفراد، خصوصًا النساء والشباب، من إنتاج غذائهم بكرامة، والنهوض بالزراعة المحلية كرافعة للتنمية وتعزيز الأمنين الاقتصادي والاجتماعي.
من الشغف المجتمعي إلى التأسيس
وأوضحت مؤسسة الجمعية، أسْمى صقر السردية، إن فكرة تأسيس جمعية تُعنى بالأمن الغذائي والزراعة المستدامة انطلقت من شغفها بالعمل المجتمعي وإيمانها بالعدالة الاجتماعية، مشيرة إلى أن العدالة الغذائية، كمفهوم وتطبيق، غائبة عن مجتمعنا، رغم أنها تمس حياة الناس يوميًا.
وأضافت خلال حديثها لـ"الأنباط": "لدي قناعة راسخة بأن حماية غذاء الطبقة الوسطى وتحقيق التوازن الغذائي ليست قضية رفاهية، بل أولوية وطنية يجب العمل عليها بجدية".
وأكدت السردية أن اللحظة المفصلية كانت خلال جلسة حوارية نفذتها ضمن مبادرة مدعومة من صندوق الملك عبد الله الثاني للتنمية، حيث استضافت الخبير الاقتصادي الدكتور فاضل الزعبي، وقالت: "خلال النقاش، استطعت أن أرتب أفكاري وأحدد موقفي، إذ يجب أن يكون لي دور مباشر، وأن أؤسس كيانًا يعكس هذه القناعة، ومنذ تلك اللحظة، بدأت أعمل على بناء خبرة وشبكة علاقات وفريق عمل قادر على تأسيس الجمعية من منطلق فكري وعملي متماسك".
من العمل الفردي إلى المؤسسة
أشارت السردية أن الدافع المباشر للتأسيس كان شعورها المتكرر بأن الجهود المجتمعية، مهما كانت نواياها طيبة، تبقى مجزأة وموسمية إذا لم تؤطَّر مؤسسيًا، موضحة بأنها اشتغلت سنوات في الميدان، وكانت تشاهد كيف تنتهي كثير من المبادرات بانتهاء التمويل، بينما احتياجات الناس مستمرة.
وتابعت: "اللحظة الفارقة كانت حين أدركنا، من خلال حوارات مع مختصين، أن الأمن الغذائي لا يحتمل الحلول العشوائية أو المؤقتة، بل يتطلب كيانًا يعالج القضية من جذورها، كملف استراتيجي يرتبط برؤية الدولة للتحديث الاقتصادي، لا كمجرد نشاط تطوعي".
وأوضحت أن الجمعية تنطلق من رؤية شمولية قائمة على العدالة الغذائية، لا تقتصر على دعم الفئات الفقيرة فقط، بل تستهدف حماية الطبقة الوسطى باعتبارها صمام أمان المجتمع، وأضافت قائلة: "نحن لا نتحرك كردة فعل لحالات طارئة، بل نعمل ضمن منظور استراتيجي طويل الأمد، ومرتبط بالسياسات الوطنية، ونؤمن أن التغيير يبدأ من الناس، لذا نركز على تمكين المجتمع، خاصة النساء والشباب".
أهداف المرحلة الأولى
وأكدت السردية أن الجمعية حاليًا في مرحلة تأسيس البنية المؤسسية، مشيرة إلى أن أهداف المرحلة الحالية تتركز على تأمين مقر دائم للجمعية، وتشكيل فريق عمل مؤهل ومدرب، إلى جانب إجراء دراسة ميدانية دقيقة لاحتياجات المجتمع، وبناء شراكات حقيقية مع الجهات الرسمية والقطاع الخاص، معتبرة أن هذه الخطوات التأسيسية ضرورية لضمان تقديم مشاريع عملية تنسجم مع توجهات الدولة في ملفي التحديث الاقتصادي والأمن الغذائي.
من المفاهيم إلى الميدان
كما لفتت إلى ترجمة الجمعية مفاهيم الأمن الغذائي والزراعة المستدامة إلى مشاريع عملية، بقولها: "نحن نعمل على مبادرات مثل الحدائق المنزلية، دعم المبادرات الريفية الصغيرة، تعزيز سلاسل التوريد وربط المزارعين بالأسواق، كما نخطط لتدريب الشباب والنساء على الزراعة المستدامة باستخدام تقنيات حديثة تحترم البيئة وتقلل الهدر، ونحن لا نعيد اختراع العجلة، بل نبدأ من الواقع ونصمم مشاريعنا بناءً على فهم دقيق لاحتياجات الناس".
وأكدت أن الجمعية تسعى لأن تكون ذراعًا تنفيذية مساندة للجهات الرسمية، خاصة وزارة الزراعة، مشددة على أنها لا تهدف إلى أخذ دور أي جهة، بل إلى تكامل الجهود مع المؤسسات الرسمية، مستفيدة من قدرتها على الوصول المباشر إلى الناس وفهم احتياجاتهم.
وأشارت إلى أن مشاريع الجمعية تتنوع بين التوعية الغذائية، ودعم الزراعة الأسرية، وتمكين النساء والشباب عبر مشاريع إنتاجية، بالإضافة إلى تنفيذ مبادرات تدريبية متخصصة في مجالي التسويق والزراعة الريفية.
المفرق كنقطة انطلاق.. اختيار استراتيجي
وقالت السردية إن اختيار محافظة المفرق، وتحديدًا البادية الشمالية، كنقطة انطلاق للجمعية لم يكن عشوائيًا، بل نابعًا من قناعة بأن مناطق الأطراف وجيوب الفقر هي الأكثر تهميشًا والأكثر حاجة، مضيفة بأن المفرق منطقة زراعية تعاني من الفقر المائي والبطالة وضعف المشاريع التنموية، واختيارها هو رسالة بأن التغيير يبدأ من الأطراف لا من المركز.
كما أشارت إلى أن الجمعية تعمل حاليًا على "نموذج المفرق"، بهدف تكراره في محافظات أخرى حسب الحاجة، قائلة: "نحن لا نستهدف التوسع الشكلي، بل التوسع العضويًّا المدروس، وفقًا لحجم الفجوة الغذائية في كل محافظة".
رسائل إلى الحكومة والمزارعين والمجتمع المدني
ووجّهت السردية ثلاث رسائل رئيسية، أكدت من خلالها أهمية الشراكة والتكامل في العمل التنموي. فإلى الحكومة، شددت على أن الجمعية لا تنافس الدولة بل تكمل دورها، وتطمح إلى الحصول على مساحة وثقة للعمل ضمن رؤية التحديث الاقتصادي، باعتبارها الأقرب إلى الناس والأقدر على فهم احتياجاتهم من أرض الواقع.
أما رسالتها إلى المزارعين، فاعتبرتهم خط الدفاع الأول عن غذاء الأردنيين، معربة عن وعي الجمعية بحجم التحديات التي يواجهونها، ومؤكدة التزامها بدعمهم وتمكينهم ونقل مطالبهم للجهات المعنية. وفيما يتعلق بالمجتمع المدني، دعت إلى تحالف وطني حقيقي بعيدًا عن التنافس والاستعراض، قائم على الاصطفاف المشترك من أجل كرامة الإنسان الأردني وحقه في غذاء عادل وآمن ومتاح.
التمويل والاستدامة
بيّنت السردية أن الجمعية لم تحصل حتى الآن على تمويل رسمي، مؤكدة بأنهم يشتغلون بأفكارهم وطاقاتهم التطوعية، إضافةً إلى إيمانهم بأن المجتمع نفسه يمكن أن يكون مصدر التمويل إذا آمن بالمشروع.
كما لفتت إلى أن الجمعية تسعى لعقد شراكات مع جهات رسمية مثل وزارة الزراعة ومؤسسة ولي العهد، قائلة: "نقرأ رؤية التحديث الاقتصادي جيدًا، ونصمم مشاريعنا بما يتماشى معها، نطمح لشراكات تقوم على التكامل مع احترام خصوصيتنا كمجتمع مدني، كما أنه لا توجد اتفاقيات أو مذكرات تفاهم حاليًا، لكننا منفتحون على كل شراكة جادّة، ونعمل على بناء أرضية مهنية تؤهلنا لذلك".
خطوة تأسيسية تدعم الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي
وفي هذا السياق، أكد خبير الأمن الغذائي الدكتور فاضل الزعبي أن توقيت تأسيس الجمعية يعد خطوة استراتيجية تدعم توجه الدولة نحو تعزيز الشراكة مع منظمات المجتمع المحلي، بما ينسجم مع أهداف الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي، موضحًا أن انطلاق الجمعية يتوافق مع خطة العمل الوطنية للأمن الغذائي للأعوام 2025-2027، والتي تركز بشكل خاص على تعزيز الإنتاج المحلي، والزراعة المستدامة، وتقوية قدرات المحافظات الطرفية على مواجهة الأزمات، وخدمة المجتمع الريفي.
وأشار الزعبي خلال حديثه لـ"الأنباط" إلى أن الجمعية تمتلك القدرة على لعب دور محوري في بناء القدرات المجتمعية، وتدريب صغار المزارعين على ممارسات زراعية أكثر كفاءة، إلى جانب تعزيز الاستدامة والإنتاج المحلي في المناطق المعرّضة لمخاطر الإقصاء التنموي. لافتًا إلى أن الجمعية يمكن أن تسهم في تسهيل التعاون مع المؤسسات الحكومية والهيئات التنموية لتنفيذ مشاريع مدروسة تلبي احتياجات محافظات مثل المفرق، التي شهدت مؤخرًا نموًا ملحوظًا في قطاعات الزراعة والمحاصيل النوعية بدعم حكومي واضح، وتفعيل أدوات الاستجابة السريعة للأزمات الغذائية، من خلال رصد التغيرات وتقديم تدخلات مباشرة، بالتكامل مع خطط الدولة.
وشدد على أن تأسيس الجمعية في هذا التوقيت يمثل استجابة عملية لمتطلبات المرحلة، ويعكس وعيًا بأهمية تمكين المحافظات الطرفية والمجتمعات الريفية للمساهمة الفاعلة في تحقيق الأمن الغذائي الوطني.
تحديات مركبة تواجه الأمن الغذائي
وفيما يتعلق بالتحديات، أشار الزعبي إلى أن منظومة الأمن الغذائي في الأردن تواجه تحديات بنيوية معقدة، أبرزها ندرة وشح المياه، وتزايد الضغط على الموارد الطبيعية، إضافةً إلى الاعتماد الكبير على استيراد الغذاء الأساسي، ما يجعل البلاد عرضة لاضطرابات سلاسل التوريد العالمية والتقلبات في الأسعار. موضحًا أن هذه التحديات تتفاقم نتيجة التغير المناخي، وتراجع المساحات الزراعية، وارتفاع وتيرة النزوح واللجوء الإقليمي، ما يزيد الضغط على البنية التحتية الغذائية والاجتماعية.
كما بيّن أن المحافظات الريفية تعاني من تفاوت في الخدمات الزراعية والبنية التحتية والدعم الإنتاجي مقارنةً بالعاصمة عمّان، حيث يتجلى هذا التفاوت في فرص الوصول إلى الأسواق والخدمات وبرامج الدعم. وأكد أن المناطق الزراعية الطرفية تتضرر أكثر في فترات الأزمات أو صدمات الأسعار، بينما تستفيد العاصمة من توفر الخدمات اللوجستية وسهولة الاستيراد نسبيًا، ما يتطلب استجابة موسّعة وعالية التنسيق لتعزيز مرونة النظام الغذائي في مختلف مناطق المملكة.
انسجام مع الاستراتيجية الوطنية ودور الجمعيات المحلية
وأوضح الزعبي أن أهداف الجمعية الجديدة في المفرق تتوافق إلى حد كبير مع الاستراتيجية الوطنية الأردنية للأمن الغذائي، إذ تعمل الجمعية على تنمية القدرات المحلية للمزارعين والأسر الريفية، وتطبيق مبادرات لتعزيز الأمن الغذائي، والمشاركة في مشاريع تدريبية تركز على تمكين المرأة الريفية، ما يساهم في رفع الدخل وتحقيق الاعتماد على الذات.
وأشار إلى أن أنشطة الجمعية ترتكز على استخدام ممارسات مستدامة لتحسين الإنتاجية والأمن الغذائي المحلي، بالتوازي مع المبادرات الحكومية، كما نوه إلى تعاون الجمعية مع مؤسسات تنموية مثل منظمة الأغذية والزراعة (FAO) والصندوق الدولي للتنمية الزراعية (IFAD)، مما يعزز قدرتها على تنفيذ مشاريع تتماشى مع الخطط الوطنية. موضحًا أن تركيز الجمعية ينصب على بناء القدرات التدريبية، وضمان جودة الغذاء، ودعم المشاريع الصغيرة، وهي محاور تنسجم بوضوح مع الاستراتيجية الوطنية.
وبيّن الزعبي أن الجمعيات المحلية، خصوصًا الزراعية منها، تلعب دورًا محوريًا في دعم منظومة الأمن الغذائي إلى جانب المؤسسات الحكومية مثل وزارة الزراعة ومؤسسة الإقراض الزراعي، مؤكدًا أن هذه الجمعيات تسهم في تنظيم المزارعين وتوفير إطار تنسيقي لهم، بما يمكنهم من تطوير قدراتهم وتحسين تقنيات الزراعة، ما ينعكس إيجابًا على جودة وكمية الإنتاج الغذائي المحلي.
وأشار إلى دور هذه الجمعيات في تسويق المنتجات الزراعية، وتنفيذ برامج التدريب والتوعية، إلى جانب المساهمة في الحماية الاجتماعية والدعم الاقتصادي للفئات الأكثر تضررًا.
الزراعة المستدامة في الأردن
من جانب آخر، أوضح وزير الزراعة الأسبق سعيد المصري بأن الزراعة المستدامة في الأردن تنطلق من أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة، وتحديدًا الهدف الثاني المتعلق بالقضاء على الجوع. ويعني ذلك إدارة الموارد الزراعية، بما في ذلك المياه والتربة والطاقة، بطريقة تضمن تلبية الاحتياجات الغذائية الحالية دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على الإنتاج. مشيرًا إلى أن هذا المفهوم يكتسب أهمية خاصة في الأردن كونه بلدًا فقيرًا مائيًا ومحدود الأراضي الزراعية، ما يفرض أولويات واضحة في السياسات الزراعية.
وأضاف المصري في حديثه لـ"الأنباط" أن هذه الأولويات تتمثل في ترشيد استخدام المياه، عبر اعتماد أنظمة ري حديثة مثل الري بالتنقيط والري المحوسب، إلى جانب تدوير المياه واستخدام مياه الصرف المعالجة في الزراعة غير الغذائية. كما تشمل إدارة التربة من خلال مكافحة التصحر، وزيادة الغطاء النباتي بالأشجار الحرجية والمثمرة، إضافةً إلى تطبيق ممارسات الزراعة الحافظة.
ومن بين الأولويات أيضًا، تنويع وتنظيم الإنتاج الزراعي عبر دعم المحاصيل التي تتمتع بجدوى اقتصادية عالية وتتحمل الجفاف، وتعزيز التوجه نحو الزراعة البيئية والعضوية. مؤكّدًا بأن هذا يتطلب دعمًا للإنتاج القائم على البيانات والتكنولوجيا الحديثة، مثل تبنّي الزراعة الرقمية واستخدام الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالمحاصيل والآفات. ولا يمكن تحقيق تحوّل زراعي فعّال دون تمكين المزارع الصغير والمتوسط، فنيًا وماليًا، ليكون في قلب هذه العملية، إضافةً إلى التأكد من أن حجم الإنتاج السنوي يتناسب مع مستويات الاستهلاك المحلي وما يُصدّر إلى الخارج خلال مواسم الإنتاج.
بناء منظومة غذائية مرنة وعادلة
وأشار إلى أهمية تأسيس شبكة غذائية قادرة على التكيف مع الأزمات، سواء كانت مناخية أو ناتجة عن صراعات أو تقلبات في الأسعار، على أن تُوزع الموارد والمكاسب فيها بعدالة بين المنتج والمستهلك. ويتطلب تحقيق ذلك عددًا من العوامل الرئيسية، من أبرزها حماية سلاسل الإمداد المحلية من خلال دعم الإنتاج الوطني وتقليل الاعتماد على الواردات، إضافةً إلى تطوير خدمات ما بعد الحصاد مثل التخزين والتبريد والنقل. كما يجب ضمان عدالة السوق عبر تسعير منصف للمزارعين، وتنظيم عمل الوسطاء ومنع الاحتكار ضمن سلاسل التوريد.
وأوضح أنه لضمان وصول الغذاء إلى جميع فئات المجتمع، لا بد من دعم شبكات الحماية الاجتماعية وربطها بإنتاج الغذاء المحلي، إلى جانب تطوير برامج التغذية المدرسية بالاعتماد على منتجات المزارعين المحليين. إذ تبرز أهمية تعزيز الأمن الغذائي التغذوي من خلال دعم إنتاج الأغذية الغنية بالعناصر الدقيقة مثل الخضار والفواكه والبقوليات. كما أن التوعية المجتمعية والتثقيف الغذائي يلعبان دورًا حاسمًا في تقليل الهدر وتحسين أنماط الاستهلاك، وهو ما يتطلب حملات مستمرة لبناء وعي غذائي مستدام.
تفعيل الشراكة بين الجهات الرسمية والمجتمع المدني
ولفت المصري إلى أن تفعيل الشراكة بين الجهات الرسمية والجمعيات المدنية في مجال التنمية الزراعية المستدامة يتطلب أولًا وضع إطار وطني واضح للشراكة، يربط خطط وزارة الزراعة بالمبادرات المدنية الفاعلة. كما ينبغي تحديد أدوار تكاملية بين الطرفين، بحيث تتولى الدولة رسم السياسات وتوفير التمويل والبنية التحتية، فيما تتولى الجمعيات تنفيذ المشاريع الميدانية وابتكار الحلول، مستفيدةً من قربها من المجتمعات المحلية. ومن الضروري أيضًا بناء قدرات الجمعيات من خلال التدريب على التخطيط والإدارة وإعداد المشاريع الزراعية.
كما أشار إلى أهمية توفير تمويل مشترك لهذه المشاريع من خلال صناديق تنموية أو عبر شراكات مع القطاع الخاص، إلى جانب تعميم المعرفة ونقل التكنولوجيا المناسبة إلى المزارعين الصغار عبر الجمعيات المجتمعية التي تمتلك خبرة محلية وتواصلًا مباشرًا.
تحديات الشراكة والحلول الممكنة
وأكد المصري أن هذه الشراكة لا تخلو من التحديات، ومن أبرزها ضعف الثقة المتبادلة بين القطاع الرسمي والمجتمع المدني، إلى جانب البيروقراطية الإدارية وقلة المرونة في توفير الدعم المالي واللوجستي. كما يُضاف إلى ذلك غياب البيانات المفتوحة وعدم تبادل المعلومات بين الأطراف، فضلًا عن تشتت الجمعيات العاملة في القطاع وقلة التنسيق بينها، وضعف القدرات الفنية والإدارية لدى عدد منها.
ولمواجهة هذه التحديات، اقترح المصري إنشاء منصة تنسيقية وطنية تجمع مختلف الشركاء وتربط المشاريع بالأهداف الوطنية، إلى جانب إصلاح الإطار التشريعي بما يسهل تمويل المشاريع الزراعية المجتمعية. مبيّنًا أن تبنّي نموذج شراكة محلي مع المحافظين والمجالس اللامركزية قد يسهم في زيادة فاعلية هذه الجهود. كما دعا إلى إطلاق حاضنات مشاريع زراعية تقودها الجمعيات وتخضع لإشراف حكومي، وبناء الثقة من خلال تنفيذ مشاريع تجريبية ناجحة توثق أثرها الاقتصادي والمجتمعي.