مكاتب التشغيل.. بين شعارات محاربة البطالة وواقع الاستغلال

نبض البلد -

 

أبو نجمة: 600 مكتب تشغيل غير مرخص تمارس أنشطتها بشكل مخالف للقانون

أبو دية: ضرورة إطلاق منصات توظيف مجانية لمواجهة بطالة الشباب

 

شذى حتاملة

 

في ظل تصاعد معدلات البطالة في الأردن، لا سيما بين صفوف خريجي الجامعات، باتت آمال الشباب معلقة على فرص العمل التي تروج لها مكاتب التشغيل بعناوين مغرية مثل: "هل تبحث عن وظيفة براتب مجزٍ؟" و"قدّم الآن وابدأ مسيرتك المهنية".

ورغم أن هذه المكاتب يُفترض أن تسهم في التخفيف من حدة الأزمة، إلا أن الواقع يطرح تساؤلات جدية حول مدى التزامها بدورها التنموي والاجتماعي، وسط مؤشرات على تحوّل بعضها إلى أدوات استغلال لحاجة الشباب الملحة للعمل، عبر شركات وسيطة تخفي خلفها ممارسات غير عادلة.

وفي حين يُفترض بهذه المكاتب أن تكون جزءًا من الحل، يبدو أن بعضها يفاقم الأزمة ويغذي الإحباط لدى الباحثين عن فرص عمل حقيقية ومستقرة.

وبحسب دائرة الإحصاءات العامة فإن معدل البطالة العام في الأردن بلغ 16.6% في الربع الأول من العام الحالي، موزعا بنسبة 21.3% لدى الأردنيين و9.7% لغير الأردنيين.

 

تجاوزات قانونية وممارسات احتيالية

وفي هذا السياق، أوضح المحامي حمادة أبو نجمة، رئيس مركز بيت العمال، أن مكاتب التشغيل الخاصة، سواء المرخصة أو غير المرخصة، لا تؤدي دورًا فعّالًا في خفض معدلات البطالة الحقيقية، على الرغم من عددها الكبير.

وأشار إلى أن قانون العمل يمنع هذه المكاتب من تحصيل أي مبالغ مالية مسبقة من الباحثين عن عمل، ويشترط حصولها على ترخيص من وزارة العمل، إضافة إلى تقديم كفالات بنكية لا تقل عن 100 ألف دينار.

وأضاف أن مئات الشكاوى تُسجَّل سنويًا بحق هذه المكاتب، حيث تتعلق 90% منها بتحصيل مبالغ مالية قبل تأمين الوظيفة أو بمخالفات تتعلق ببنود العقود. وكشف أن التقديرات تشير إلى وجود أكثر من 600 مكتب غير مرخص تمارس أنشطتها بشكل مخالف للقانون، وتقوم بعمليات احتيالية تتطلب إجراءات رقابية أكثر صرامة وحزمًا لوقفها.

وبيّن أبو نجمة أن هذه المكاتب، رغم أن دورها المفترض يتمثل في ترويج وتشغيل القوى العاملة الأردنية داخل المملكة وخارجها، إلا أنها لا تلتزم بتزويد وزارة العمل بإحصاءات دقيقة حول عدد الأشخاص الذين تم تشغيلهم فعليًا. وأكد أن غياب الشفافية والمسؤولية في عمل هذه المكاتب حولها إلى كيانات تجارية بحتة، تستثمر في حاجة الشباب الملحة للعمل.

وشدد على ضرورة تفعيل أدوات التفتيش على هذه المكاتب، وإلزامها بالشفافية في أعمالها كافة، إلى جانب فرض آليات لحماية الباحثين عن عمل، مثل تكثيف الزيارات التفتيشية المفاجئة بالتعاون مع الجهات الأمنية، وفرض عقوبات صارمة وفورية على المخالفين، وإغلاق المكاتب غير المرخصة بشكل نهائي. كما دعا إلى إلزام المكاتب بتقديم تقارير سنوية تتضمن عدد الأشخاص الذين تم تشغيلهم ونسب الالتزام بالعقود داخل وخارج المملكة.

 

دعوة لمنصات توظيف مجانية

من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي منير أبو دية أن البطالة، التي تطال نحو نصف مليون شاب وشابة، تُعد تحديًا كبيرًا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وغلاء المعيشة والالتزامات المتزايدة.

وأوضح أن نسبة البطالة التي تجاوزت 21% تشكل ضغطًا هائلًا على فئة الشباب، ما يجعل من توفير فرص العمل حاجة ملحّة لضمان العيش الكريم.

وأشار إلى أن عدد الخريجين العاطلين عن العمل، بالإضافة إلى نحو 480 ألف شاب وشابة مسجلين في ديوان الخدمة المدنية، يعكس عمق الأزمة، وهو ما فتح الباب لاستغلالهم من قبل بعض الجهات التي تقتطع نسبًا مالية عند توظيفهم، مستغلة حاجتهم الماسة.

وشدد أبو دية على أن وزارة العمل مطالبة، بالتعاون مع القطاع الخاص والمستثمرين، بإطلاق منصات توظيف مجانية وشفافة، فلا يجوز تحميل الباحثين عن عمل أي أعباء مالية إضافية، خصوصًا أنهم في الأساس عاجزون عن دفعها.

وبيّن أن استغلال حاجة الشباب للعمل يخلق اضطرابات في سوق العمل ويفتح المجال أمام جهات غير منظمة لدخول قطاع التشغيل، ما يؤدي إلى إرباك السوق. وأكد أن توفير فرص عمل برواتب عادلة وآليات شفافة هو واجب حكومي ومجتمعي لضمان كرامة الشباب ومستقبلهم.

ودعا أبو دية إلى تكاتف الجهود بين القطاع الخاص والجامعات ومراكز التدريب والتأهيل والوزارات المعنية، بهدف ربط الشباب بسوق العمل عبر منصات إلكترونية مجانية وسهلة الاستخدام. كما أكد على الدور الحيوي للجامعات في تسهيل توظيف خريجيها، من خلال بناء شراكات فعالة مع القطاع الخاص، خاصة في ظل ما تمثله البطالة من أزمة مزمنة تؤثر على الاقتصاد الوطني وتشكل عبئًا اجتماعيًا متزايدًا.