نبض البلد - الكيان المحتل من الأكثر استغلالًا لما يُعرف بـ"الحرب النفسية والهندسة الإدراكية"
الخوالدة: حرب نفسية تستهدف وعي العرب وتطبع "إسرائيل" في الذاكرة اليومية
الشوبكي: إعلام الاحتلال يوظف شخصيات ناطقة بالعربية لاختراق الوعي العربي
جبر: إسرائيل تقمصت خطاب المقاومة ووظفت أدوات ناعمة لاختراق الوعي العربي
الأنباط – رزان السيد
في العقود الأخيرة، لم تعد الحروب تُخاض فقط على جبهات القتال التقليدية بالسلاح والدبابات، بل انتقلت إلى ميادين أكثر خفاءً وتأثيرًا: ميادين الإدراك والوعي. وبينما لا تزال أصوات الرصاص تُدوّي في بعض المناطق، تشتد ضراوة معارك من نوع آخر تُدار بالكلمات، والصور، والمنشورات، والتغريدات.
وفي هذا السياق، برزت "إسرائيل" كأحد أكثر الأطراف استثمارًا في ما يُعرف بـ الحرب النفسية والهندسة الإدراكية، مستخدمة أدوات "ناعمة" لكنها فاعلة، عبر منصات التواصل ووسائل الإعلام الموجّهة.
اللافت في هذه الحرب، أن الوجوه الإعلامية المستخدمة غالبًا ما تنطق بالعربية، وتحمل في كثير من الأحيان أسماء وهويات ترتبط بالعالم العربي، ما يمنحها قدرة مضاعفة على اختراق وعي الجمهور العربي والتأثير في سردياته ومفاهيمه، بل وحتى في أولوياته السياسية والوجدانية.
أفيخاي أدرعي.. الخصم الودود ومهندس التشويش الإدراكي
أفيخاي أدرعي، المولود لأب سوري وأم عراقية، يتصدر هذه الوجوه بوصفه مسؤول الإعلام العربي في الجيش الإسرائيلي، حضوره المتواصل على منصات التواصل الاجتماعي، واستخدامه المتقن للهجة العربية الشامية، والاقتباسات القرآنية والأمثال الشعبية، ليست عفوية، بل هي جزء من استراتيجية نفسية محسوبة تعرف باسم PSYOPS .
ويقدم أدرعي نفسه كوجه بشوش لجيش يحتل أراضي عربية ويقصف مدنًا فلسطينية، مستخدمًا أسلوب الخصم الودود بهدف نزع صورة العدو الشيطاني، التي ترسخت في المخيلة العربية، مهمته لا تقتصر على الترويج لرواية الجيش الإسرائيلي، بل تتعداها إلى زرع الشك والانقسام داخل المجتمعات العربية، من خلال استثارة الجدل، وخلق الاستقطاب، وتشويش البوصلة الأخلاقية في قضايا الاحتلال والمقاومة.
إيلا واوية.. عسكرية مسلمة في خدمة تفكيك السرديات
إيلا واوية، ضابطة في الجيش الإسرائيلي من أصول عربية ومسلمة، تحمل رتبة رائد وتشغل منصب نائب الناطق باسم الجيش، وظيفتها الرمزية تتجاوز حدود التصريحات الرسمية، إذ يجري توظيف حضورها لإرسال رسائل موجهة للوعي العربي، أن الانخراط العربي في الجيش الإسرائيلي طبيعي، وأن العدو ليس كما تتصورونه.
هذا الشكل من التوظيف يعد جزءًا من ما يسمى بالهندسة الإدراكية، وهي استراتيجية تستهدف تفكيك المفاهيم القومية والدينية، وضرب السرديات الجمعية حول الاحتلال والمقاومة، عبر تصدير نماذج تخالف السائد، وتربك التصنيف الأخلاقي للصراع.
إيدي كوهين.. المحرض والمضلل في ثوب الباحث
يظهر إيدي كوهين، اليهودي اللبناني الأصل، كمزيج من الخبير الأمني والناشط الاستفزازي، نشاطه عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل لا يخضع لقواعد الصحافة التقليدية، بل يندرج ضمن ما يعرف بالعمليات المعلوماتية المضللة.
ويستخدم كوهين خطابًا هجوميًا حادًا، يخلط بين التحريض والتسريب والإشاعة، بهدف إثارة الفوضى وتأجيج الانقسامات الطائفية والسياسية، لا سيما في البلدان العربية الهشة سياسيًا، حضوره المكثف في النقاشات الإلكترونية، وترويجه المتعمد للمعلومات غير المؤكدة، يخدم أجندة تستهدف زعزعة الاستقرار، وبث الشك، وتفكيك السرديات الوطنية.
الخطاب الإسرائيلي الناعم.. تأثير نسبي واختراق للوعي العربي
وفي هذا السياق، يرى الخبير العسكري والاستراتيجي، اللواء المتقاعد هلال الخوالدة، أن تأثير شخصيات مثل أفيخاي أدرعي وإيلا واوية في الرأي العام العربي هو تأثير نسبي وموجه، لا يمكن وصفه بالشمولي أو العميق، إذ إن هذه الشخصيات لا تحقق بالضرورة إقناعًا مباشرًا، بل تعمل ضمن فضاء جدلي، موضحًا بأن غالبية تفاعل الجمهور العربي معها يأتي بدافع السجال والغضب والسخرية، لا القبول.
وتابع، رغم ذلك فهي تنجح في جر الرأي العام العربي إلى ساحة الخطاب الإسرائيلي، وتشويش الأولويات، وفرض رواية بديلة حتى وإن كانت هامشية، ما يؤدي في المحصلة إلى تطبيع الوجود الإسرائيلي في الوعي اليومي، ولو من باب الخصومة.
وأكد الخوالدة في حديثه لـ "الأنباط"، بأن هناك بيئات محددة تكون أكثر عرضة للتأثر بهذا النوع من الخطاب، أبرزها شريحة الشباب الرقمي، تحديدًا من الفئة العمرية 18 إلى 25 عامًا والتي تتعامل مع المحتوى بسرعة وبدون تمحيص كاف.
وأضاف، تعد البيئات المحبطة سياسيًا أو التي تسعى للهروب من الصراع أرضًا خصبة لهذا النوع من الخطاب، إذ تضعف فيها المناعة القومية، أما البيئات المنقسمة داخليًا، كلبنان وسوريا والعراق، فهي هدف مباشر للخطاب الإسرائيلي الذي يستثمر التناقضات الداخلية لصالحه.
استثمار اللهجات والرموز الدينية
وأشار إلى أن استخدام اللهجات المحلية والعبارات الدينية من قبل هذه الشخصيات ليس مجرد محاولة تواصلية، بل هو سلاح نفسي بامتياز، عندما يستخدم أدرعي لهجة شامية، أو يهنئ المسلمين بعبارة "رمضان كريم"، أو يقتبس آيات قرآنية، فإنه لا يسعى فقط إلى خلق جو من الألفة، بل إلى كسر الحاجز النفسي لدى المتلقي العربي، مؤكدًا بأن هذا الخطاب المصاغ بلهجة مألوفة يخاطب العمق العاطفي ويزرع التباسًا في مفاهيم الهوية والانتماء، فيغدو العدو متخفيًا في صورة مألوفة، بل وأحيانًا متقاربة.
كما بين الخوالدة بأن هذه الأدوات الإعلامية تتعمد إدخال مفاهيم مثل السلام، والعيش المشترك، وأبناء إبراهيم، وحتى بعض النصوص الدينية، ضمن سردية إسرائيلية جديدة، تسعى إلى تفكيك الروايات القومية والدينية الراسخة، وإعادة تأويلها بما يخدم الاحتلال.
أما عن فعاليتها في تفكيك مفاهيم كالمقاومة أو الاحتلال أو العدو، أشار الخوالدة إلى أن النجاح الكامل في هذا المجال لا يزال محدودًا، لكنه موجود بصورة تدريجية، فالمقاومة يعاد توصيفها عبر هذه الأدوات على أنها إرهاب أو تضحية عبثية، بينما تقدم إسرائيل في المقابل كرمز للنظام والأمان.
أما مفهوم العدو، فيتم تفريغه من مضمونه الحقيقي من خلال مقارنات تظهر إسرائيل كدولة متقدمة وديمقراطية، مقابل أنظمة عربية توصف بالقمع والفشل، مضيفًا بأن الاحتلال بدوره يموه بشكل متعمد، ويعاد تقديمه في قالب النزاع الأمني أو الحق في الدفاع، ويتم التركيز على العلاقات الاقتصادية والتعاون المدني كجزء من عملية تطبيعية زاحفة.
كما لفت الخوالدة إلى أن هذه الشخصيات ليست مجرد وجوه إعلامية عشوائية، بل هي أدوات مدروسة ضمن إستراتيجية إسرائيلية متكاملة في الحرب النفسية، تستند إلى دراسات معمقة في طبيعة المجتمعات العربية وثقافاتها، بهدف التأثير على وعيها على المدى البعيد، مؤكدًا بأن قوتها لا تكمن في الإقناع المباشر، بل في قدرتها على زرع الشك، وتفتيت الثوابت، وتطبيع الرموز واللغة والوجوه الإسرائيلية داخل الفضاء العربي، ومع ذلك، لا تزال هناك مناعة شعبية واسعة، خصوصًا في الأوساط التي تملك وضوحًا في تحديد العدو من الخصم، وهو ما يشكل حتى الآن خط الدفاع الأهم أمام هذا الخطاب المتسلل.
استراتيجية إعلامية صهيونية لاختراق الوعي العربي
ومن جانب آخر، قال المحلل الأمني والسياسي، محسن الشوبكي، إن الكيان الصهيوني يتبنى سياسة إعلامية موجهة للجمهور العربي، تستند إلى استخدام شخصيات ناطقة بالعربية تنتمي بهويتها أو أصولها للمنطقة، وتظهر في مواقع رسمية أو إعلامية داخل المنظومة الصهيونية، مثل الجيش أو مراكز الدراسات أو المنابر الإعلامية.
وأوضح أن هذه الشخصيات، كأفيخاي أدرعي، وإيلا واوية، وإيدي كوهين، لا تعمل بشكل فردي، بل توظف في إطار استراتيجية نفسية وأمنية تهدف إلى اختراق الوعي العربي، وتفكيك الصورة التقليدية عن العدو، وإعادة تشكيل مفاهيم الهوية والانتماء، إلى جانب تسويق التطبيع باستخدام لغة مألوفة ووسائل جذابة.
وبين الشوبكي خلال حديثه لـ "الأنباط"، أن ما يضفي خطورة على هذه الظاهرة هو أن الرسائل التي تحملها تصاغ بطريقة ذكية، تتسلل إلى الخطاب العام العربي، وتستغل القيم الدينية والقومية لتقديم إسرائيل كطرف طبيعي في المنطقة، أو كجار يمكن التعايش معه.
وفي المقابل، يرى الشوبكي أن الإعلام العربي يفتقر إلى استراتيجية موحدة وواضحة للتعامل مع هذا النوع من الخطاب، إذ تسيطر عليه أجندات سياسية توجهه حسب مصالح الدول، وغالبًا ما تقتصر ردوده على مواجهات انفعالية دون تحليل عميق أو تفكيك منهجي للخطاب الصهيوني، مما قد يزيد من حضور هذه الشخصيات ويمنحها صفة الاستثنائية أو الجرأة، بدلًا من تقويض مصداقيتها.
وأضاف أن هذا الاختراق يتعزز في ظل غياب دائم للمعلومة الدقيقة من المصادر الرسمية العربية، مما يجعل الجمهور عرضة للتضليل، خاصة الشباب الذين يتلقون كميات هائلة من المحتوى على وسائل التواصل دون أدوات تحليل أو تفكير نقدي.
ولفت إلى أن اللغة السلسة والأساليب المؤثرة التي تستخدمها هذه الشخصيات تساهم في تسييل الخط الفاصل بين الحقيقة والدعاية، وتضعف قدرة المتلقي على التمييز، رغم أن بعض الشرائح، خصوصًا في مناطق الصراع، تحتفظ بذاكرة تاريخية تمنحها قدرًا من الحصانة، لكنها تبقى بحاجة إلى دعم وتغذية مستمرة عبر تثقيف إعلامي واع.
وأكد أن مواجهة هذا النوع من الاختراق لا يجب أن تعتمد على المنع أو الحظر، فذلك قد يمنح هذه الشخصيات بعدًا مثيرًا أو يجعلها تظهر كضحايا، مشددًا على أن الحل يكمن في بناء وعي نقدي لدى الجمهور، عبر برامج تثقيفية وأدوات تمكنه من تحليل وفهم الرسائل، وتطوير خطاب إعلامي عربي مبني على سرديات واضحة ومتماسكة تعبر عن القيم القومية والثقافية بأسلوب مبسط ومهني.
كما أشار إلى أن مواجهة التضليل تتطلب إنشاء وحدات مستقلة لتدقيق المعلومات بشكل سريع، ودعم المقاومة الثقافية من خلال الإنتاج الفني والمعرفي الذي يعزز الهوية والانتماء، ويدفع نحو إعلام استباقي قادر على حماية الوعي الجمعي، ومواجهة الرسائل الدعائية بأدوات فعالة ومدروسة.
وحدة 8200 مركز استخباراتي رئيسي في الحرب النفسية ضد الوعي العربي
وفي السياق ذاته، قال الشوبكي إن الوحدة 8200 تشكل ركيزة استخباراتية في الاستراتيجية الصهيونية الإعلامية، ولا تكتفي بجمع وتحليل البيانات، بل تتدخل فعليًا في صياغة المحتوى الموجه للجمهور العربي عبر شبكات التواصل، مستخدمة لهجات محلية وأدوات نفسية دقيقة لتغذية الانقسامات الطائفية والسياسية والاجتماعية، وزيادة حالة التشويش الإدراكي.
وختم الشوبكي بالقول إن هذا الجهد يكمله طروحات الناطقين الإسرائيليين الذين يظهرون بمظهر عقلاني معتدل، مما يخلق بيئة رقمية مضللة تسوق للكيان كطرف منطقي وسط مجتمعات عربية تُصوّر على أنها منقسمة وغير مستقرة.
الاحتلال وإعلام الردع الإدراكي
من جهتها، قالت أستاذة العلوم السياسية، والمختصة بالشأن الفلسطيني، الدكتورة أريج جبر، إن الكيان الصهيوني بدأ يدرك أن الحروب المعاصرة لا تحسم بالآلة العسكرية وحدها، بل تدار أيضًا في فضاء الوعي والإدراك الجمعي، إذ تلعب الأدوات الإعلامية دورًا مركزيًا في تشكيل الانطباعات، وإعادة إنتاج السرديات، واختراق الجبهات الداخلية للخصم.
وأشارت جبر خلال حديثها لـ "الأنباط"، إلى أن هذا التحول في الاستراتيجية الإسرائيلية جاء بعدما استشعر الاحتلال تنامي حضور المقاومة الفلسطينية ونجاحها في الإعلام العالمي، لا سيما في توجيه خطاب يخترق جدار الصمت ويحاكي الضمير العالمي، ويفكك سردية الاحتلال، من خلال نقل روايتها بلغة تتجاوز حدود غزة.
وبينت أن إسرائيل تبنت بدورها خطابًا موجهًا مشابهًا، عبر استراتيجية إعلامية جديدة تقوم على ما يعرف بالردع الإدراكي، حيث لجأت إلى توظيف شخصيات ناطقة بالعربية، ذات أصول مشرقية، وتتمتع بمتابعة وجدل على منصات التواصل الاجتماعي، وتقدم بلبوس مدني أو أكاديمي أو عسكري، وتعمل ضمن منظومة وظيفية هدفها إرباك الوعي العربي.
وأوضحت أن هذه الشخصيات، وعلى رأسها إيدي كوهين، لا تمارس خطابها بشكل عشوائي، بل تتحرك ضمن هندسة نفسية محسوبة تهدف إلى بث الشكوك، تفكيك الرموز، وتطبيع الرواية الصهيونية بطرق ناعمة، إذ يتحول الإعلام إلى أداة قتل غير مباشر، تعمل على تفتيت الثقة، إضعاف الصمود، وزرع الفوضى السياسية داخل المجتمعات المستهدفة.
وأضافت أن إيدي كوهين لا يمثل حالة فردية، بل يجسد نمطًا من الإعلام الأمني السيكولوجي الذي بات ركيزة في العقيدة الإسرائيلية الحديثة، موضحة بأن خطابه يتموضع في صلب ما يعرف بحرب التأثير، حيث لا يكون الهدف هو قتل الخصم عسكريًا، بل كسر مناعته النفسية وهويته الجمعية، وتدمير ثقته في محيطه وفي رموز المقاومة أو حتى في مسارات المفاوضات.
وأكدت أن كوهين يقدم كصوت عربي وشرقي من أتباع المنظومة الإسرائيلية ومعتنقي الصهيونية المحضة، ما يمنحه شرعية شكلية تتيح له النفاذ إلى العقل العربي بفعالية تفوق الأصوات الصهيونية التقليدية.
وأشارت إلى أن ما ينشره كوهين من شائعات، تهويلات، تسريبات، وأكاذيب أو تخاريف، يقع ضمن خطاب ممنهج ومدروس، يهدف إلى إرباك الرأي العام، والتشويش على الجبهات الإعلامية للمقاومة، وضرب الثقة بالرموز الوطنية، بالتالي، يمكن اعتباره فاعلًا وظيفيًا في حرب الوعي، ينفذ أجندة ناعمة بتكلفة شبه صفرية، لكنها تترك أثرًا تراكميًا بالغًا في الرأي العام العربي.
وبينت جبر أن هذا النوع من الخطاب موجه لجمهور محبط، ينهكه الجوع والنزوح، ويتجرع مرارة الحرب وسموم التشريد، مما يجعل من كوهين أداة إعلامية هجومية منخفضة الكلفة مرتفعة التأثير في سياق القوة الناعمة.
كوهين: أداة في الحرب النفسية الرمادية
وأكدت أن كوهين يمثل ظاهرة إعلامية أمنية حقيقية، تتجاوز كونه مجرد شخصية مثيرة للجدل، فهو يتحرك داخل سياقين، الأول فردي، ينبع من إخلاصه العقائدي للصهيونية، وتبنيه الكامل للرؤية الإسرائيلية، والثاني مؤسساتي، يجعله جزءًا من استراتيجية إعلامية منظمة تعتمد على الإعلام كوسيلة اختراق ناعم للوعي العربي.
وأوضحت أن الخطاب التحريضي الذي يتبناه، لا يستخدم عبثا، بل يتم توظيفه في سياق هندسة نفسية هدفها تفتيت البنى الإدراكية والسياسية داخل المجتمعات المستهدفة، ولا يمكن فصل سلوك كوهين عن السياسة الإعلامية الإسرائيلية الأشمل التي توظف شخصيات عربية لتقويض الثقة، وتغذية الانقسام، وتطبيع صورة العدو في الوجدان العربي.
كما بينت أن كوهين لا يؤدي فقط دور صانع الجدل، بل يقوم بوظيفة أمنية مجتمعية متكاملة ضمن تكتيكات الحرب النفسية الرمادية، فهو بوق ناطق باسم الخطاب الإسرائيلي، يروج لرؤى الدولة العبرية بلغة عربية مشحونة، مستخدما الشائعات، التسريبات المدروسة، والتعليقات الاستفزازية.
وأكدت أن ما ينشر عبر حساباته لا يتم بشكل عشوائي، بل ينتج ضمن منظومة محسوبة تتبع نهجا سيكولوجيا إسرائيليا يهدف إلى بث رسائل مضللة، خاصة خلال الأوقات الحساسة من الصراع، حيث يتجاوز خطاب كوهين المنطق المؤسسي الرسمي، ليقدم نفسه كفاعل يتحدث بلسان عربي، يلامس الجراح النفسية والثقافية المتأصلة في وعي المجتمعات العربية.
وأشارت إلى أن استخدامه للغة والدين والمرجعيات الثقافية، مع قدرته على اللعب على الشقوق النفسية المتوارثة، يمنحه تأثيرًا يفوق ما يمكن أن تحققه أدوات الحرب التقليدية.
وختمت جبر بالتأكيد على أن نشر المعلومات المضللة والإشاعات السياسية ليس سلوكا عرضيا، بل هو أداة مركزية ضمن استراتيجية أمنية إسرائيلية تهدف إلى إضعاف الجبهات الداخلية في دول عربية مختارة، وخلق حالة إنهاك نفسي وسياسي طويل الأمد.