نظام عالمي يضحي بالضعفاء على مذابح المصالح...

نبض البلد -
إبراهيم أبو حويله

تتكرر الأخطاء بلا حصر ولا عدد، وتدفع الشعوب من دمها مداد حبر السادة الساسة، وستقف الأم والزوجة والابنة والابن على أبواب البيوت، ينتظرون بأمل وألم أحلامًا لن تعود. هل كما قال بعضهم: الحرب أن تقتل غرباء، من أجل عقائد لا تفهمها، ويستفيد من هذه الحرب مجموعة من السفلة، قادة وساسة؟

وإذا شككت في العقائد المبهمة، فعليك بالتلمود، الذي جعل فئة من البشر تقوم بقتل البعض، وطرد البعض، وسرقة الأرض، والبيوت، والوطن، وتدمّر أحلام طفل وأم وزوجة، من أجل تفاهات تسكن في رؤوس بعض الكهنة ورجال الدين. وهذا القتل ليس خاصًّا بفئة دون أخرى.

ولكن قد يكون الكهنة أحيانًا من الساسة، ويلعبون تمامًا دور رجال الدين، ويمارسون الكهنوت، والتلاعب، والخداع، في سبيل حمل فئة من البشر على تحقيق أحلامهم التوسعية، وإخضاع فئة أخرى من البشر للهيمنة والسيطرة. وهنا تخرج علينا أبحاث في علم النفس، تعزز دور هرمونات الذكورة مثل التستوستيرون، ودوره في قرارات قادة الحرب، والعمل على استمرارها مع كل تلك المعاناة التي تحدث في الطرفين.

وهنا يبدو أن على علماء النفس قياس هذه الهرمونات عند النتن ياهو وترامب وزيلينسكي وبوتين، حتى نخرج بتأكيد أو نفي لهذه النظرية، وتعزيز استمرارها. وهل حرب أوكرانيا بعيدة عن التنازع والتصارع، والبحث عن الأمان الموهوم الذي خسره الجميع، وفرض الآراء والحدود، والتي لم تثبت وتتغير يوميًّا؟

هل علقت أوكرانيا في حرب الكبار ودفعت الثمن، وتسعى اليوم للخلاص، ولكن أي خلاص؟ هي ستدفع الثمن، وتصرّ النخبة فيها على الاستمرار في الحرب، ولكن إلى متى؟ الروس يتوسّعون، وتخسر أوكرانيا يومًا بعد يوم، وتزداد الخسارة البشرية والجغرافية والمالية، والقادة لا قدرة لهم على تحقيق قوة ردع هنا، والروس لم يحققوا نصرًا ساحقًا في المقابل.

يذهب بعض المحللين إلى أن القيادة الأوكرانية تسعى لخلق واقع يدفع القوى الغربية، التي ورّطتها أصلًا في هذه الحرب، إلى أن تتدخل. ولكن في الجهة المقابلة، الدب الروسي، وهنا يخرج مفهوم الردع لأجل الردع الذي تملكه روسيا، ويجعل قادة الغرب، وعلى رأسهم ترامب، يفكرون مرارًا قبل اللعب معه. هل هذا ما حصل مع كوريا الشمالية، عندما دخلت نادي النووي، فتحقّق الردع، وجبن القوم عن التخاطب، كما حدث مع كيم أون بعد أن أصبح ضمن أعضاء النادي؟

إذاً، القوم لا تردعهم أخلاقهم، ولا قيمهم، ولا مبادئهم، ولكن يردعهم النووي. وهل هذا معناه أن أوكرانيا ستبقى تُستنزف حتى تصل إلى نقطة الانكسار، أو النصر الساحق من الروس، وهم يعتقدون أو يتوهمون أن الغرب، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، ستدخل الحرب من أجل تلك الأوكرانية التي فقدت كل شيء، وتجلس حزينة في انتظار السوبرمان الأمريكي؟ وهنا نستذكر قول الأمريكي نيكولاي بيترو: إن الآخرين لا يدركون بأن الأمريكان لا يهتمون، وأن مشاكلهم الداخلية التافهة، وقصة تغيير اسم المغني كانييه إلى "يي"، تشغلهم بشكل أكبر، وقصة المغني شان ديدي كومبز، وقضاياه والجنس والاتجار به، تشغلهم أكثر من مليون قتيل في أوكرانيا، وحوالي مئة ألف في غزة.

هل حقًّا تقف القضايا العالمية ومعاناة الشعوب والدول بانتظار أن تحظى بالاهتمام والرعاية من الأمريكي؟ وإذا لم تحظَ بذلك الاهتمام، فإنها لن تُحل. وهنا، هل تجد النخبة الأوكرانية نفسها قد ضحّت بنفسها على مذبح العم سام من أجل لا شيء، حرفيًّا: اللا شيء؟ فلا الناتو تحرّك من أجلها كما يجب، وظل الدعم قائمًا على الأسلحة والمال، وهم يخسرون الأرض والوطن والرجال، ولا العم ترامب هدّد أو توعّد العم بوتين من أجلها، والنخبة ما زالت تحلم بالبطل القادم على بساط الريح.

كأنهم قالوا قديمًا: ما حكّ جلدك مثل ظفرك، فتولَّ أنت جميع أمرك، وإذا قصدت لحاجة، فاقصد لمعرفة ببرّك. وكم مرة تخلّى الأمريكان عن حلفائهم؟ فيتنام، الشاه في إيران، والأكراد، وأفغانستان، ولبنان، وكوبا... يبدو أنهم حليف لا يمكن الوثوق به، فالتاريخ يشهد لهم بقوة. وكيف إذا كان على رأس الأمر هناك رجل يغيّر كلامه كل ساعة؟

المشهد العالمي قاتم، أو هو شديد القتامة بالنسبة للضعفاء، والفرقاء، والمتخاصمين من أبناء القومية الواحدة أو الدين الواحد، في ظل نظام عالمي يعترف بالقوة وسيلةً للحماية، ويضحّي بالضعفاء على مذابح المصالح.