ثلاثة صراعات قد تحدد احتمالات عودة المواجهة بين إسرائيل وإيران

نبض البلد -

حاتم النعيمات

لا يمكن الجزم بعدم وجود جولات أخرى من المواجهة بين إسرائيل وإيران، فإسرائيل على ما يبدو لن تتنازل عمّا حققته من تفوق استخباري وجوي بعد الجولة الأخيرة، إضافة إلى أن نهاية المواجهة لم تكن نهاية متماسكة حيث اعتمدت على إجبار أحد الأطراف (إسرائيل) على التوقف عن القصف دون قناعة؛ باختصار، هناك أمر أمريكي بوقف الحرب لكن لا يوجد ضمانات سوى هذا الأمر.

لا يوجد ضمانات لأن هناك صراع يتعاظم في واشنطن حول فعالية الضربة الأمريكية على المفاعلات النووية الإيرانية التي نُفذت قبل أسبوع تقريبًا، حيث نشرت كل من الواشنطن بوست و CNN عن مصادر استخباراتية ما يفيد بأن الضربة الأمريكية على المواقع النووية الإيرانية لم تكن ناجحة كما روج لها الرئيس ترامب وأبرز قادة الجمهوريين كليندسي غراهام وتوم كوتون، حيث خلصت التقارير الإعلامية التي استفزت البيت الأبيض إلى أن إيران تحتاج لأشهر للتعافي من الضربة والعودة إلى استكمال برنامجها النووي. ما زاد الطين بلة هو تأييد مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي لهذا الطرح حيث قال: "إن إيران لا تزال قادرة على استئناف التخصيب خلال أشهر قليلة”.

أعتقد أن محصلة ما ذُكر أعلاه هو أن هناك تيارين داخل الإدارة الأمريكية؛ تيار يريد إنهاء النظام الإيراني وتفكيك الدولة وهذا يمثله الديموقراطيون ومن يتبع لهم من مؤسسات إعلامية (كالواشنطن بوست و CNN) والمجتمع الحقوقي القانوني، وتيار يريد بقاء حالة التوازن في المنطقة ويمثله ترامب والجمهوريون بشكل عام. ويبدو أن حسم هذا الصراع سيساهم بشكل كبير في احتمالية استئناف الهجمات الإسرائيلية (وربما الأمريكية) على إيران.

هناك صراع آخر داخل إيران نفسها بين الإصلاحيين الذي يريدون حل الأزمة بالمفاوضات والحوار وعلى رأسهم الرئيس مسعود بزكشيان ووزير الخارجية عراقجي (الذي أبدا مرونة بتصريح رسمي في سياق نقل اليورانيوم المخصب إلى دولة تضمن استخدامه للأغراض غير العسكرية)، وبين المحافظين المتشددين الذين يمثلهم المرشد الأعلى وقيادة الحرس الثوري واللذان يعتمدان على إصدار تصريحات تصعيدية وغير واقعية أحيانًا. إذن، الخارطة السياسية الإيرانية لم تعطي الجواب النهائي بعد، وهي مفتوحة على كل الاحتمالات رغم أن جوابها أقل أهمية من جواب الخارطة السياسية الأمريكية.

في إسرائيل أيضًا تتحول قضية إنهاء الحرب على غزة إلى تهديد حقيقي لتحالف نتنياهو الحاكم، حيث هدد الوزيران المتطرفان بنغفير وسموترتس بالاستقالة وبالتالي إسقاط الحكومة التي يخضع رئيسها حاليًا لمحاكمات في قضايا فساد ورشوة. ميزة الساحة الإسرائيلية أنها ذات تأثير قوي على القرار في واشنطن.

ثلاثة صراعات في واشنطن وطهران وتل أبيب ستحدد مصير إيران والبرنامج النووي وربما المنطقة برمتها، حيث ستكون نتائجها مؤثرة في الاستقرار المتوقع للمنطقة والدولة الفلسطينية والسلوك الإسرائيلي المستقبلي، والواضح أن ديناميكية هذه الصراعات الثلاثة عالية ومفتوحة على كل الاحتمالات.

من يتابع طريقة تعامل المنظومة العربية مع الوضع يشعر أن هناك مبالغة في حياد الموقف العربي، حيث لا يظهر في الأفق أن هناك بناء حقيقي على المكتسبات التي تحققت مؤخرًا في العلاقة مع الإدارة الأمريكية، سواء من خلال زيارة ترامب للخليج أو من خلال النجاح الدبلوماسي الأردني المصري في إقناع ترامب بمنع التهجير.

إذا كان هناك جولة جديدة من الصراع بين إيران وإسرائيل (وهذا وارد حسب المؤشرات) فإن الجميع سيتأثر لأن هذه الجولة -إن حدثت- لن تكون استكشافية كالأولى، وقد ينتج عنها بؤرة فوضى جديدة في إيران ستكون كارثة؛ فلدينا التجربة الأمريكية التي أجريت على العراق وحولته إلى منبعٍ للتطرف والطائفية بعد إسقاط نظام صدام حسين. الضرر قد لا يتمثل بالضربات الجوية ولا الصواريخ بل بالفوضى وتوابعها وتطبيقاتها.