نبض البلد - قالت صحيفة "لوموند” الفرنسية، في مقال لمراسلها في واشنطن بيوتر سمولار، إن الولايات المتحدة الأمريكية تواجه لحظة حاسمة في سياستها الخارجية، ويبدو أن كل شيء بات مرهوناً برجل واحد: الرئيس دونالد ترامب، الذي يثق بخبرته الشخصية ويُبدي احتقاراً للمستشارين والخبراء، وحتى لبعض المقربين في إدارته. اليوم، يقف ترامب أمام قرار قد يرسم ملامح ولايته الثانية ويزعزع استقرار الشرق الأوسط لعقود: هل ينبغي لواشنطن أن تدعم إسرائيل في ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وربما المضي نحو تغيير النظام في طهران؟
هذا الخيار يكتسب زخماً متزايداً، خاصة في ظل النجاحات العسكرية التي تحققها إسرائيل، لكنه يثير انقسامات عميقة داخل معسكر "اجعلوا أمريكا عظيمة مجدداً” (MAGA)، توضّح صحيفة لوموند، مُشيرة إلى ما كتبه ترامب في منشور على منصته "تروث سوشل”: "لدينا الآن سيطرة كاملة على الأجواء فوق إيران”، ملمّحًا بذلك إلى شراكة عسكرية محتملة مع إسرائيل. ثم دعا طهران إلى "الاستسلام غير المشروط”، مطمئناً إلى أن حياة المرشد الأعلى علي خامنئي "ليست مهددة في الوقت الراهن”.
كما أشارت "لوموند” إلى تشبيه السفير الأمريكي في إسرائيل، مايك هاكابي، المقرب من الدوائر الإنجيلية المؤيدة لإسرائيل، هذه اللحظة بما واجهه الرئيس هاري ترومان عام 1945 عند اتخاذ قرار إسقاط القنابل النووية على اليابان.
أكدت مديرة الاستخبارات الوطنية، تولسي غابارد، أمام الكونغرس في شهر مارس الماضي أن إيران لا تطوّر سلاحاً نووياً، وأن خامنئي لم يأذن باستئناف البرنامج النووي العسكري المتوقف
لكن أجهزة الاستخبارات الأمريكية لها رأي مغاير.. فقد أكدت مديرة الاستخبارات الوطنية، تولسي غابارد، أمام الكونغرس في شهر مارس الماضي أن إيران لا تطوّر سلاحاً نووياً، وأن خامنئي لم يأذن باستئناف البرنامج النووي العسكري المتوقف منذ عام 2003. رغم ذلك، تجاهل ترامب هذه المعطيات قائلاً: "لا يهمني ما قالته”.
في خطابه التنصيبي في شهر يناير الماضي، وعد ترامب بإنهاء الحروب، لا خوضها. لكن هذا المبدأ بات مهدداً اليوم. وفي حديثه لمجلة "ذي أتلانتك”، قال: "أنا من ابتكر مبدأ "أمريكا أولاً”، وأنا من يحدد معناه”. مع ذلك، لا يسير كل شيء حسب إرادة ترامب، إذ أصبح التيار الشعبوي في الحزب الجمهوري كياناً مستقلاً نسبياً، لا يردد فقط ما يصدر عن البيت الأبيض، بل يعكس أيضاً صوت القاعدة. وعبر بعض أبرز وجوه هذا التيار عن معارضتهم لأي مغامرة عسكرية جديدة، توضح "لوموند”.
جاك بوسوبيك، أحد رموز الإعلام اليميني، حذّر من أن أي تدخل عسكري "سيُحدث انقساماً كارثياً” في صفوف تحالف ترامب. أما تشارلي كيرك، مؤسس منظمة Turning Point USA، فدعا إلى "تواضع وحكمة”، واعتبر أن "حروب تغيير الأنظمة لا تنجح”.
في المعسكر المؤيد للتدخل، نجد أصواتاً من التيار الجمهوري التقليدي، مثل الإعلاميين في قناة "فوكس نيوز” شون هانيتي ومارك ليفين، والسيناتور ليندسي غراهام، الذي شبّه النظام الإيراني بهتلر في ثلاثينيات القرن الماضي، معتبراً أن إسقاطه "أمر جيد”.
لكن المعارضة الأكثر حدة جاءت من الإعلامي الشهير تاكر كارلسون، الذي سأل السيناتور تيد كروز عن عدد سكان إيران، فأجاب هذا الأخير بأنه لا يعرف. ردّ كارلسون: "هذا سؤال جوهري، لأنك تطالب بإسقاط حكومة هذا البلد”. فخلال ظهوره مع ستيف بانون، أحد أبرز منظّري الشعبوية، طالب كارلسون بنقاش "عقلاني” حول أهداف الولايات المتحدة في حال تغيير النظام الإيراني. وأضاف: "هل فكرتم جيداً بما سيحدث في بلد يضم 90 مليون نسمة؟ يبدو أنكم لم تفكروا إطلاقاً”، تُشير صحيفة "لوموند”.
تجدر الإشارة إلى أن استطلاع رأي جديد نشرته مجلة The Economist بالتعاون مع YouGov كشف أن 16% فقط من الأمريكيين يؤيدون تدخل واشنطن في النزاع بين إسرائيل وإيران، فيما يعارضه 53% من الجمهوريين.
أما نائب الرئيس، جي. دي. فانس، والذي سبق أن أبدى تحفظاته على العمليات العسكرية الأمريكية في اليمن، فقد دخل النقاش مرغماً، بعد تعرضه لانتقادات من جهات محافظة. وعبّر في بيان مطوّل عن ثقته بالرئيس ترامب، معترفاً في الوقت ذاته بحق الأمريكيين في القلق من "مستنقع خارجي جديد” وكتب: "أعتقد أن الرئيس يستحق بعض الثقة في هذا الملف”.
هذا النداء للثقة، أوضحت "لوموند” يأتي في وقت تتزايد فيه مؤشرات الارتباك داخل معسكر ترامب مع اقتراب ساعة الحسم.